الآيات 15-17

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿15﴾ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿16﴾ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴿17﴾

القراءة:

في رواية أبي ربيعة عن البزي عن ابن كثير ولأدراكم﴾ فجعلها لاما دخلت على أدراكم وأمال في أدراكم وأدراك في جميع القرآن أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف وروي في الشواذ عن ابن عباس والحسن ولا أدريكم به.

الحجة:

قال أبو علي حكى سيبويه دريته ودريت به والأكثر في الاستعمال بالباء ويبين ذلك قوله ﴿ولا أدراكم﴾ ولو جاء على اللغة الأخرى لكان ولا أدراكموه وقال الدرية كالفطنة والشعرة وهي مصادر يراد بها ضروب من العلم أما الدراية فكالهداية والدلالة فكان الدراية التأني والتعمل لعلم الشيء وعلى هذا المعنى ما تصرف من هذه الكلمة أنشد أبو زيد:

فإن غزالك الذي كنت تدري

إذا شئت ليث خادر بين أشبل

وتدري أي تختل ومنه الدرية في قول أكثر الناس الخمل الذي يستتر به الصايد من الوحش كأنه يختل به وداريت الرجل لاينته وخاتلته وإذا كان الحرف على هذا فالداري في وصف القديم سبحانه لا يسوغ فأما قول الراجز:

لا هم لا أدري وأنت الداري

فلا يكون حجة في جواز ذلك لأنه استجار ذلك لما تقدم من قوله لا أدري كما جاز فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه وإن تسخروا منا فإنا نسخر منكم وأيضا فإن الأعراب يذكرون أشياء يمتنع جوازها كما قالوا:

لا هم أن كنت الذي بعهدي

ولم تغيرك الأمور بعدي

وقال الآخر:

لو خافك الله عليه حرمه

فأما الهمزة على ما حكي عن الحسن وغيره فلا وجه له لأن الدرء الدفع قال ابن جني يجوز أن يكون لها وجه وإن كان فيه ضعف صنعة وهو أن يكون أراد ولا أدريتكم به ثم قلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة كقولهم في ييأس يااس وفي ييبس يابس وقال قطرب أن لغة عقيل في أعطيتك أن يقولوا أعطاتك ثم همز الألف على لغة من قال في الباز الباز وفي العالم والخاتم والنابل العالم والخاتم والنابل ومن قرأ ولا أدريكم به فمعناه ولا علمكم الله تعالى به فيكون نفيا للتلاوة وإثباتا للعلم وعلى قراءة الجماعة يكون نفيا للأمرين جميعا.

اللغة:

التلقاء جهة مقابلة الشيء إلا أنه قد يستعمل ظرفا فيقال هو تلقاءه كما يقال هو حذاءه وقبالته وتجاهه وإزاءه والعمر بفتح العين وسكون الميم والعمر بضمهما البقاء وإذا استعمل في القسم فالفتح لا غير.

النزول:

قيل نزلت في خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن مغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هاشم قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وهبل وليس فيه عيبها أو بدله تكلم به من تلقاء نفسك عن مقاتل وقيل نزلت في المستهزءين قالوا يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسلكه عن الكلبي.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن مشركي قريش فقال ﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ المنزلة في القرآن ﴿بينات﴾ أي واضحات في الحلال والحرام وسائر الشرائع وهي نصب على الحال ﴿قال الذين لا يرجون لقاءنا﴾ أي لا يؤمنون بالبعث والنشور فلا يخشون عقابنا ولا يطمعون في ثوابنا ﴿ائت بقرآن غير هذا﴾ الذي تتلوه علينا ﴿أو بدله﴾ فاجعله على خلاف ما تقرؤه والفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه وتبديله لا يكون إلا برفعه وقيل معنى قوله ﴿بدله﴾ غير أحكامه من الحلال أو الحرام أرادوا بذلك زوال الخطر عنهم وسقوط الأمر منهم وأن يخلى بينهم وبين ما يريدونه ﴿قل﴾ يا محمد ﴿ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي﴾ أي من جهة نفسي وناحية نفسي ولأنه معجز فلا أقدر على الإتيان بمثله ﴿إن أتبع إلا ما يوحى إلى﴾ أي ما أتبع إلا الذي أوحي إلى ﴿إني أخاف إن عصيت ربي﴾ في اتباع غيره ﴿عذاب يوم عظيم﴾ أي يوم القيامة ومن استدل بهذه الآية على أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز فقد أبعد لأنه إذا نسخ القرآن بالسنة وما يقوله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنه يقوله بالوحي من الله فلم ينسخ القرآن ولم يبدله من قبل نفسه بل يكون تبديله من قبل الله تعالى ولكن لا يكون قرآنا ويؤيد ذلك قوله ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ ﴿قل﴾ يا محمد ﴿لو شاء الله ما تلوته عليكم﴾ معناه لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم بأن كان لا ينزله علي ﴿ولا أدراكم به﴾ أي ولا أعلمكم الله به بأن لا ينزله علي فلا أقرؤه عليكم فلا تعلمونه ﴿فقد لبثت فيكم عمرا من قبله﴾ أي فقد مكثت وأقمت بينكم دهرا طويلا من قبل إنزال القرآن فلم أقرأه عليكم فلا تعلمونه ولا ادعيت نبوة حتى أكرمني الله تعالى به ﴿أفلا تعقلون﴾ أي أفلا تتفكرون فيه بعقولكم فتعلموا أن المصلحة فيما أنزله الله تعالى دون ما تقرءونه قال علي بن عيسى العقل هو العلم الذي يمكن به الاستدلال بالشاهد على الغائب والناس يتفاضلون فيه بالأمر المتفاوت فبعضهم أعقل من بعض إذا كان أقدر على الاستدلال من بعض ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله﴾ أي لا أحد أظلم ممن اخترع على الله ﴿كذبا أو كذب ب آياته إنه لا يفلح المجرمون﴾ أي المشركون عن الحسن فإن قيل أليس من ادعى الربوبية أعظم ظلما من المدعي للنبوة قلنا إن المراد بقوله ﴿من افترى على الله كذبا﴾ من كفر بالله تعالى فقد دخل فيه من ادعى الربوبية وغيره من أنواع الكفار فكأنه قال لا أحد أظلم من الكافر.