الآيات 11-12

وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿11﴾ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿12﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر ويعقوب لقضى بفتح القاف أجلهم منصوب والباقون ﴿لقضي﴾ على ما لم يسم فاعله ﴿أجلهم﴾ بالرفع.

الحجة:

قال أبو علي اللام في قوله ﴿لقضي إليهم﴾ جواب لو في قوله ﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير﴾ والمعنى والله أعلم ولو يعجل الله للناس دعاء الشر أي ما يدعون به من الشر على أنفسهم في حال ضجر أو بطر استعجاله إياهم بدعاء الخير فأضاف المصدر إلى المفعول فحذف الفاعل كقوله تعالى لا يسأم الإنسان من دعاء الخير في حذف ضمير الفاعل والتقدير ولو يعجل الله للناس الشر استعجالا مثل استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم قال أبو عبيدة لقضي إليهم أجلهم معناه لفرغ من أجلهم وأنشد لأبي ذويب:

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبع

ومثل ما أنشده قول الآخر:

قضيت أمورا ثم غادرت بعدها

بوائق في أكمامها لم تفتق

والمعنى لفرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة وإذا انتهت مدتهم المضروبة للحياة هلكوا وهذا قريب من قوله ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا وقالوا للميت مقضي كأنه قضى إذا مات وقضى فعل.

التقدير استوفى أجله وفرغ منه قال ذو الرمة:

إذا الشخص فيها هزه الآل أغمضت

عليه كإغماض المقضي هجولها

المعنى أغمضت هجول هذه البلاد على الشخص الذي فيها فلم ير لغرقه في الآل كإغماض المقضي وهو الميت وأما ما يتعلق به الجار من قوله ﴿لقضي إليهم﴾ فكأنه لما كان معنى قضى فرغ وكان قولهم فرغ يتعدى بهذا الحرف في قوله:

الآن فقد فرغت إلى نمير

فهذا حين صرت لهم عذابا

وفي التنزيل سنفرغ لكم أيه الثقلان أمكن أن يكون الفعل يعدى باللام كما يعدى بالي وباللام في قوله بأن ربك أوحى لها فلما كان معنى قضى فرغ تعلق بها إلى كذلك تعلق بقضى ووجه قراءة ابن عامر لقضي إليهم أجلهم على إسناد الفعل إلى الفاعل أن الذكر قد تقدم في قوله ﴿ولو يعجل الله للناس﴾ فقال لقضي على هذا ومن حجته في ذلك قوله ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فهذا الأجل الذي في هذه الآية هو الأجل المضروب للمحيا كما أن الأجل في قوله ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ كذلك فكما أسند الفعل في الأجل المضروب للحياة إلى الفاعل في قوله ثم قضى أجلا عند الجميع كذلك أسنده ابن عامر في قوله لقضي إليهم أجلهم إلى الفاعل ولم يسنده إلى الفعل المبني للمفعول ويدل على أن الأجل في قوله ثم قضى أجلا أجل المحيا إن قوله وأجل مسمى عنده أجل البعث يبين ذلك قوله ثم أنتم تمترون أي أنتم أيها المشركون تشكون في البعث ومن قرأ لقضي فبنى الفعل للمفعول به فلأنه في المعنى مثل قول من بنى الفعل للفاعل.

الإعراب:

قوله ﴿لجنبه﴾ في موضع نصب على الحال تقديره دعانا منبطحا لجنبه أو دعانا قائما ويجوز أن يكون تقديره إذا مس الإنسان الضر لجنبه أو مسه قاعدا أو مسه قائما دعانا وموضع الكاف من كذلك نصب على مفعول ما لم يسم فاعله أي زين للمسرفين عملهم مثل ذلك.

المعنى:

ثم عاد الكلام إلى ذكر المائلين إلى الدنيا المطمئنين إليها الغافلين عن الآخرة فقال ﴿ولو يعجل الله للناس الشر﴾ أي إجابة دعوتهم في الشر إذا دعوا به على أنفسهم وأهاليهم عند الغيظ والضجر واستعجلوه مثل قول الإنسان رفعني الله من بينكم وقوله لولده اللهم ألعنه ولا تبارك فيه ﴿استعجالهم بالخير﴾ أي كما يعجل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوها ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ أي لفرغ من إهلاكهم ولكن الله تعالى لا يعجل لهم الهلاك بل يمهلهم حتى يتوبوا وقيل معناه ولو يعجل الله للناس العقاب الذي استحقوه بالمعاصي كما يستعجلونهم خير الدنيا وربما أجيبوا إلى ما سألوه إذا اقتضت المصلحة ذلك لفنوا لأن بنية الإنسان في الدنيا لا تحتمل عقاب الآخرة بل لا تحتمل ما دونه والله سبحانه يوصله إليهم في وقته وسمي العقاب شرا من جهة المشقة والأذى الذي فيه وفائدته أنه لو تعجلت العقاب لزال التكليف ولا يزول التكليف إلا بالموت وإذا عوجلوا بالموت لم يبق أحد ﴿فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون﴾ أي فندع الذين لا يخافون البعث والحساب يتحيرون في كفرهم وعدولهم عن الحق إلى الباطل وتمردهم في الظلم.

والعمة شدة الحيرة ثم أخبر سبحانه عن قلة صبر الإنسان على الضرر والشدائد فقال ﴿و إذا مس الإنسان الضر﴾ أي المشقة والبلاء والمحنة من محن الدنيا ﴿دعانا لجنبه﴾ أي دعانا لكشفه مضطجعا ﴿أو قاعدا أو قائما﴾ أي على أي حال كان عليها واجتهد في الدعاء وسؤال العافية وليس غرضه بذلك نيل ثواب الآخرة وإنما غرضه زوال ما هو من الألم والشدة وقيل إن تقديره وإذا مس الإنسان الضر مضطجعا أو قاعدا أو قائما دعانا لكشفه وفيه تقديم وتأخير ﴿فلما كشفنا عنه ضره﴾ أي فلما أزلنا عنه ذلك الضرر ووهبنا له العافية ﴿مر﴾ أي استمر على طريقته الأولى معرضا عن شكرنا ﴿كأن لم يدعنا إلى ضر مسه﴾ أي كأن لم يدعنا قط لكشف ضره ولم يسألنا إزالة الألم عنه ﴿كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون﴾ أي كما زين لهم الشيطان وأقرانهم الغواة ترك الدعاء عند الرخاء زينوا للمسرفين أي للمشركين عملهم عن الحسن ويحتمل أن يكون زين المسرفون بعضهم لبعض وإن لم يضف التزيين إليهم فهو كقولهم فلان معجب بنفسه وقد حث الله سبحانه بهذه الآية الذين منحوا الرخاء بعد الشدة والعافية بعد البلية على أن يتذكروا حسن صنع الله إليهم وجزيل نعمته عليهم ويشكروه على ذلك ويسألوه إدامة ذلك لديهم ونبه بذلك على وجوب الصبر عند المحنة احتسابا للأجر وابتغاء للثواب والذخر.