الآيات 213-220

فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴿213﴾ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴿214﴾ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿215﴾ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿216﴾ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴿217﴾ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴿218﴾ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴿219﴾ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يمُ ﴿220﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر فتوكل بالفاء والباقون بالواو.

الحجة:

هو في مصاحف أهل المدينة والشام بالفاء وفي مصاحف مكة والعراق بالواو والوجهان حسنان.

اللغة:

عشيرة الرجل قرابته سموا بذلك لأنه يعاشرهم وهم يعاشرونه.

المعنى:

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد به سائر المكلفين فقال ﴿فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين﴾ بسبب ذلك وإنما أفرده بالخطاب ليعلم أن العظيم الشأن إذا أوعد فمن دونه كيف حاله وإذا حذر هو فغيره أولى بالتحذير ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ أي رهطك الأدنين أي أنذرهم بالإفصاح من غير تليين بالقول كما تدعو إليه مقاربة العشيرة وإنما خصهم بالذكر تنبيها على أنه ينذر غيرهم وأنه لا يداهنهم لأجل القرابة ليقطع طمع الأجانب عن مداهنته في الدين وقيل إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بأن يبدأ بهم في الإنذار والدعاء إلى الله ثم بالذين يلونهم كما قال قاتلوا الذين يلونكم من الكفار لأن ذلك هو الذي يقتضيه حسن الترتيب وقيل إنه إنما خصهم لأنه يمكنه أن يجمعهم ثم ينذرهم وقد فعل ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واشتهرت القصة بذلك عند الخاص والعام وفي الخبر المأثور عن البراء بن عازب أنه قال لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس فأمر عليا (عليه السلام) برجل شاة فأدمها ثم قال ادنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ ولم يتكلم ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال من يؤاخيني ويوآزرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي (عليه السلام) أنا فقال في المرة الثالثة أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك أورده الثعلبي في تفسيره وروي عن أبي رافع هذه القصة وأنه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتى تضلعوا وسقاهم عسا فشربوا كلهم حتى رووا ثم قال إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم عشيرتي ورهطي وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله فأيكم يقوم فيبايعني علي أنه أخي ووارثي ووزيري ووصيي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فسكت القوم فقال ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن ثم أعاد الكلام ثلاث مرات فقام علي (عليه السلام) فبايعه وأجابه ثم قال ادن مني فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه فقال أبو لهب فبئس ما حبوت به ابن عمك أن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ملأته حكمة وعلما وعن ابن عباس قال لما نزلت الآية صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا ما لك فقال أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبو لهب تبا لك أ لهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله تعالى تبت يدا أبي لهب وتب إلى آخر السورة وفي قراءة عبد الله بن مسعود وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) ﴿واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين﴾ أي ألن جانبك وتواضع لهم وحسن أخلاقك معهم عن أبي زيد وغيره ﴿فإن عصوك﴾ يعني أقاربك إنذارك إياهم وخالفوك فيما تدعوهم إليه ﴿فقل﴾ لهم ﴿إني بريء مما تعملون﴾ أي من أعمالكم القبيحة وعبادتكم الأصنام ﴿وتوكل على العزيز الرحيم﴾ أي فوض أمرك إلى العزيز المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه ليكفيك كيد أعدائك الذين عصوك فيما أمرتهم به ﴿الذي يريك حين تقوم﴾ أي الذي يبصرك حين تقوم من مجلسك أو فراشك إلى الصلاة وحدك وفي الجماعة وقيل معناه يراك حين تقوم في صلاتك عن ابن عباس وقيل حين تقوم بالليل لأنه لا يطلع عليه أحد غيره وقيل حين تقوم للإنذار وأداء الرسالة ﴿وتقلبك في الساجدين﴾ أي ويرى تصرفك في المصلين بالركوع والسجود والقيام والقعود عن ابن عباس وقتادة والمعنى يراك حين تقم إلى الصلاة مفردا وتقلبك في الساجدين إذا صليت في جماعة وقيل معناه وتقلبك في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا عن ابن عباس في رواية عطا وعكرمة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله عليهما قالا في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم (عليه السلام) وروي جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ترفعوا قبلي ولا تضعوا قبلي فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي ثم تلا هذه الآية ﴿أنه هو السميع العليم﴾ يسمع ما تتلو في صلاتك ويعلم ما تضمر فيها.