الآيات 7-10

إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ﴿7﴾ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴿8﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿9﴾ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿10﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة ابن محيصن ويعقوب أن الحمد لله.

الحجة:

وهذه القراءة تدل على أن قراءة الجماعة ﴿أن الحمد لله﴾ إنما هو على أن مخففة من الثقيلة كما في قوله:

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كل من يحفى وينتعل

فيكون على تقدير أنه الحمد لله ولا يجوز أن تكون أن هنا زائدة كما زيدت في قوله:

ويوما توفينا بوجه مقسم

كان ظبية تعطو إلي وارق السلم أي كظبية.

اللغة:

الغفلة والسهو من النظائر وهو ذهاب المعنى عن النفس ونقيضه اليقظة والدعوى قول يدعى به إلي أمر والتحية التكرمة بالحال الجليلة ولذلك يسمون الملك التحية قال:

من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية

وهو مأخوذ من قولهم أحياك الله حياة طيبة.

المعنى:

ثم إنه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلة المتقدمة المكذبين بالمعاد فقال ﴿إن الذين لا يرجون لقاءنا﴾ أي لقاء جزائنا ومعناه لا يطمعون في ثوابنا وأضافه إلى نفسه تعظيما له ويحتمل أن يكون المعنى لا يخافون عقابنا كما يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي:

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها

وخالفها في بيت نوب عواسل

جعل سبحانه ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا هو ملاقاة له كما جعل إتيان ملائكته إتيانا له في قوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله تفخيما للأمر ﴿ورضوا بالحياة الدنيا﴾ أي متعوا بها واختاروها فلا يعملون إلا لها ولا يجتهدون إلا لأجلها مع سرعة فنائها ولا يرجون ما وراءها ﴿واطمأنوا بها﴾ أي وسكنوا إلى الدنيا بأنفسهم وركنوا إليها بقلوبهم ﴿والذين هم عن آياتنا غافلون﴾ أي ذاهبون عن تأملها فلا يعتبرون بها ﴿أولئك مأواهم النار﴾ أي مستقرهم النار ﴿بما كانوا يكسبون﴾ من المعاصي ثم وعد سبحانه المؤمنين بعد ما أوعد الكافرين فقال ﴿إن الذين آمنوا﴾ أي صدقوا بالله ورسله ﴿وعملوا الصالحات﴾ أي وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة ﴿يهديهم ربهم بإيمانهم﴾ إلى الجنة ﴿تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم﴾ أي تجري بين أيديهم الأنهار وهم يرونها من علو كما قال سبحانه قد جعل ربك تحتك سريا ومعلوم أنه لم يجعل السري الذي هو الجدول تحتها وهي قاعدة عليه وإنما أراد أنه جعله بين يديها وقيل معناه من تحت بساتينهم وأسرتهم وقصورهم عن الجبائي وقوله ﴿بإيمانهم﴾ يعني به جزاء على إيمانهم ﴿دعواهم فيها﴾ أي دعاء المؤمنين في الجنة وذكرهم فيها أن يقولوا ﴿سبحانك اللهم﴾ يقولون ذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذون بالتسبيح وقيل إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم الطير فيقع مشويا بين أيديهم وإذا قضوا منه الشهوة قالوا الحمد لله رب العالمين فيطير الطير حيا كما كان فيكون مفتتح كلامهم في كل شيء التسبيح ومختتم كلامهم التحميد فيكون التسبيح في الجنة بدل التسمية في الدنيا عن ابن جريج ﴿وتحيتهم فيها سلام﴾ أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام وقيل معناه تحية بعضهم لبعض فيها أو تحية الملائكة لهم فيها سلام يقولون سلام عليك أي سلمتم من الآفات والمكاره التي ابتلي بها أهل النار وقد ذكرنا معنى قوله ﴿وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ وليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلموا بعده بشيء بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه عن الحسن والجبائي.