الآيات 5-6

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿5﴾ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴿6﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة وابن كثير وحفص والعجلي ﴿يفصل﴾ بالياء والباقون نفصل بالنون.

الحجة:

من قرأ بالياء فلأنه تقدم ذكر الله سبحانه فأضمره في الفعل ومن قرأ بالنون فمثل قوله تلك آيات الله نتلوها.

اللغة:

الجعل إيجاد ما به يكون الشيء على صفة لم يكن عليها والضياء يجوز أن يكون جمع ضوء كسوط وسياط وحوض وحياض ويجوز أن يكون مصدر ضاء يضوء ضياء وضوءا مثل عاذ يعوذ عياذا وعوذا وقام يقوم قياما وعلى أي الوجهين كان فالمضاف محذوف وتقديره جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور ويكون جعل النور والضياء لكثرة ذلك فيهما والاختلاف ذهاب كل واحد من الشيئين في غير جهة الآخر فاختلاف الليل والنهار ذهاب أحدهما في جهة الضياء والآخر في جهة الظلام والليل عبارة عن وقت غروب الشمس إلي طلوع الفجر الثاني وليل وليلة مثل تمر وتمرة والنهار عبارة عن اتساع الضياء من طلوع الفجر الثاني إلي غروب الشمس والنهار واليوم بمعنى واحد إلا أن في النهار فائدة اتساع الضياء.

المعنى:

ثم زاد سبحانه في الاحتجاج للتوحيد فقال ﴿هو الذي جعل الشمس ضياء﴾ بالنهار ﴿والقمر نورا﴾ بالليل والضياء أبلغ في كشف الظلمات من النور وفيه صفة زائدة على النور ﴿وقدره منازل﴾ أي وقدر القمر منازل معلومة ﴿لتعلموا﴾ به وبمنازله ﴿عدد السنين والحساب﴾ وأول الشهر وآخره وانقضاء كل سنة وكميتها وجعل الشمس والقمر آيتين من آيات الله تعالى وفيهما أعظم الدلالات على وحدانيته تعالى من وجوه كثيرة منها خلقها وخلق الضياء والنور فيهما ودورانهما وقربهما وبعدهما ومشارقهما ومغاربهما وكسوفهما وفي بث الشمس الشعاع في العالم وتأثيرها في الحر والبرد وإخراج النبات وطبخ الثمار وفي تمام القمر وسط الشهر ونقصانه في الطرفين ليتميز أول الشهر وآخره من الوسط كل واحد من ذلك نعمة عظيمة من الله سبحانه على خلقه ولذلك قال ﴿ما خلق الله ذلك إلا بالحق﴾ لأن في ذلك منافع للخلق في دينهم ودنياهم ودلائل على وحدانية الله وقدرته وكونه عالما لم يزل ولا يزال ﴿يفصل الآيات﴾ أي يشرحها ويبينها آية آية ﴿لقوم يعلمون﴾ فيعطون كل آية حظها من التأمل والتدبر وقيل إن المعنى في قوله ﴿وقدره منازل﴾ التثنية أي قدر الشمس والقمر منازل غير أنه وحده للإيجاز اكتفاء بالمعلوم كما مر ذكر أمثاله فيما تقدم وكما في قول الشاعر:

رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن جول الطوي رماني

فإن الشمس تقطع المنازل في كل سنة والقمر يقطعها في كل شهر فإنما يتم الحساب وتعلم الشهور والسنون والشتاء والصيف بمقاديرهما ومجاريهما في تداويرهما ﴿إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض﴾ أي فعله فيهما على ما يقتضيه الحكمة في السماوات من الأفلاك والكواكب السيارة وغير السيارة وفي الأرض من الحيوان والنبات والجماد وأنواع الأرزاق والنعم ﴿لآيات﴾ أي حججا ودلالات على وحدانية الله ﴿لقوم يتقون﴾ معاصي الله ويخافون عقابه وخصهم بالذكر لاختصاصهم بالانتفاع بها.