الآيات 1-2

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿1﴾ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ﴿2﴾

القراءة:

قرأ الر بإمالة الراء أبو عمرو وأهل الكوفة غير عاصم إلا يحيى وقرأ الباقون بالتفخيم وقرأ لساحر بالألف ابن كثير وأهل الكوفة وقرأ الباقون ﴿لسحر﴾ بكسر السين وبغير ألف.

الحجة:

قال أبو علي من أمال فقال رأيا فلأنها أسماء لما تلفظ بها من الأصوات المنقطعة في مخارج الحروف كما أن غاق اسم للصوت الذي يصوته الغراب فجازت الإمالة فيها من حيث كانت اسما ولم تكن كالحروف التي يمتنع فيها الإمالة نحو ما ولا وما أشبههما من الحروف فإن قلت إن الأسماء لا تكون على حرفين أحدهما حرف لين وإنما يكون على هذه الصفة الحروف نحو ما ولا فالقول إن هذه الأسماء لا يمتنع أن تكون على حرفين أحدهما حرف لين لأن التنوين لا يلحقها فيؤمن لامتناع التنوين من اللحاق لها أن تبقى على حرف واحد فإذا أمن ذلك لم يمتنع أن يكون الاسم على حرفين أحدهما حرف لين ألا ترى أنهم قد قالوا هذا شاة فجاء على حرفين أحدهما حرف لين لما أمن لحاق التنوين له لاتصال علامة التأنيث به وكذلك قولك رأيت رجلا ذا مال لاتصال المضاف إليه به وكذلك قولهم كسرت فأزيد قال ويدل على قول من قال ﴿لسحر﴾ قوله سبحانه قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ويدل على ساحر قوله وقال الكافرون هذا ساحر كذاب وقد تقدم قوله ﴿أوحينا إلى رجل منهم﴾ فمن قرأ ساحر أراد الرجل ومن قرأ سحر أراد الذي أوحي سحر.

اللغة:

الآية العلامة التي تنبىء عن مقطع الكلام من جهة مخصوصة والقرآن مفصل بالآيات مضمن بالحكم النافية للشبهات والحكيم هاهنا بمعنى المحكم فعيل بمعنى مفعل قال الأعشى:

وغريبة تأتي الملوك حكيمة

قد قلتها ليقال من ذا قالها

وأنشد أبو عبيدة لأبي ذويب:

يواعدني عكاظ لننزلنه

ولم يشعر إذا أني خليف

أي مخلف من أخلفته الوعد وقيل هو بمعنى الحاكم ودليله قوله ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه قال الأزهري القدم الشيء الذي تقدمه قدامك ليكون عدة لك حتى تقدم عليه وقيل القدم المقدم كالنقض والقبض قال ابن الأعرابي القدم المتقدم في الشرف وقال العجاج:

ذل بنو العوام عن آل الحكم

وتركوا الملك لملك ذي قدم

وقال الأزهري فلان يمشي اليقدمية والتقدمية إذا تقدم في الشرف وقال أبو عبيدة والكسائي كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم ويقال الفلان قدم في الإسلام وهو مؤنث يقال قدم حسنة قال حسان:

لنا القدم العليا إليك وخلفنا

لأولنا في طاعة الله تابع

وقال ذو الرمة:

لكم قدم لا ينكر الناس أنها

مع الحسب العادي طمت على البحر

الإعراب:

أضيفت آيات إلى الكتاب لأنها أبعاض الكتاب كما أن سورة أبعاضه و﴿أن أوحينا﴾ في موضع رفع بأنه اسم كان وعجبا خبره واللام في قوله ﴿للناس﴾ يتعلق بمحذوف كان صفة لعجب فلما تقدم صار حالا كقوله:

لعزة موحشا طلل قديم وإن شئت كان ظرفا لكان و﴿أن أنذر﴾ في موضع نصب تقديره أوحينا بأن أنذر فحذف الجار فوصل الفعل و﴿أن لهم قدم صدق﴾ كذلك موضعه نصب بقوله ﴿وبشر﴾ ولو قرىء إن لهم بالكسر لكان جائزا لأن البشارة في معنى القول إلا أنه لم يقرأ به وأضيف قدم إلى صدق كما يقال مسجد الجامع.

المعنى:

قد مضى الكلام في معاني الحروف المعجمة المذكورة في أوائل السور من قبل ﴿تلك آيات الكتاب الحكيم﴾ معناه أن الآيات التي جرى ذكرها أو الآيات التي أنزلت على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) هي آيات القرآن المحكم من الباطل الممنوع من الفساد لا كذب فيه ولا اختلاف وقيل تلك أي هذه السور آيات الكتاب الحكيم أي اللوح المحفوظ وسماه محكما لأنه ناطق بالحكمة وقيل لأنه جمع العلوم والحكمة وقيل إنما وصف الكتاب بالحكيم لأنه دليل على الحق كالناطق بالحكمة ولأنه يؤدي إلى المعرفة التي تميز بها طريق الهلاك من طريق النجاة ﴿أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس﴾ هذه ألف استفهام المراد به الإنكار وقيل إن المراد بالناس هنا أهل مكة قالوا نعجب أن الله سبحانه لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب والتقدير أ كان إيحاؤنا إلى رجل من الناس بأن ينذرهم عجبا ومعناه لما ذا تعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم وليس هذا موضع التعجب بل هو الذي كان يجب فعله عند كل العقلاء فإن الله تعالى لما أكمل لعباده عقولهم وكلفهم معرفته وأداء شكره وعلم أنهم لا يصلحون ولا يقومون بذلك الإبداع يدعوهم إليه ومنبه ينبههم عليه وجب في الحكمة أن يفعل ذلك ثم بين سبحانه الوجه الذي لأجله بعث وما الذي أوحى إليه فقال ﴿أن أنذر الناس﴾ أي أخبرهم بالعذاب وخوفهم به ﴿وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم﴾ أي عرفهم ما فيه الشرف والخلود في نعيم الجنة على وجه الإكرام والإجلال لصالح الأعمال وقيل ﴿أن لهم قدم صدق﴾ أي أجرا حسنا ومنزلة رفيعة بما قدموا من أعمالهم عن ابن عباس وروي عنه أيضا أن المعنى سبقت لهم السعادة في الذكر الأول ويؤيده قوله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية وقيل هو تقديم الله تعالى إياهم في البعث يوم القيامة بيانه قوله (عليه السلام) نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وقيل أن القدم اسم للحسنى من العبد واليد اسم للحسنى من السيد للفرق بين السيد والعبد وقيل إن معنى قدم صدق شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم يوم القيامة عن أبي سعيد الخدري وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ﴿قال الكافرون إن هذا لساحر مبين﴾ يعنون النبي أي قالوا هذا ساحر مظهر للسحر وما أتى به سحر بين على اختلاف القراءتين والسحر فعل يخفى وجه الحيلة فيه حتى يتوهم أنه معجز وهذا يدل على عجزهم عن معارضة القرآن ولذلك عدلوا إلى وصفه بالسحر.