الآيات 51-68

إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿51﴾ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴿52﴾ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿53﴾ إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴿54﴾ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ﴿55﴾ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴿56﴾ فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿57﴾ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴿58﴾ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿59﴾ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ﴿60﴾ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴿61﴾ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴿62﴾ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴿63﴾ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ﴿64﴾ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ﴿65﴾ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴿66﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿67﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿68﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وأهل الكوفة حاذرون بالألف والباقون بغير ألف وقرأ فاتبعوهم موصولة الألف مشددة التاء زيد عن يعقوب وقرأ الباقون ﴿فأتبعوهم﴾ بقطع الألف وسكون التاء وقرأ حمزة ونصير عن الكسائي وخلف ترىء الجمعان بكسر الراء والباقون بفتحها وفي الشواذ قراءة أبان بن تغلب إن كنا أول المؤمنين بكسر الهمزة من أن وقراءة ابن أبي عامر حادرون بالدال غير المعجمة وقراءة الأعرج وعبيد بن عمير إنا لمدركون بتشديد الدال وقراءة عبد الله بن الحرث وأزلقنا بالقاف.

الحجة:

قال أبو علي قال أبو عبيدة رجل حذر وحذر وحاذر قال ابن أحمر:

هل ينسان يومي إلى غيره

أني حوالي وأني حذر حوالي

أي ذو حيلة وقال العباس بن مرداس:

وإني حاذر أنمي سلاحي

إلى أوصال ذيال منيع

ووجه إمالة الحركة على الراء من تراءى أن قياسه أن يكون تراآى في الموقف مثال تراعى فأمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة التي أميلت ليميل الألف نحو الياء كما قالوا رأى أمالوا فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة فإن قيل فإذا وصل وقيل تراه الجمعان فهلا لم يجز إمالة الفتحة التي على الراء لأنه إذا كان إمالتها لإمالة فتحة الهمزة وما يوجب إمالة الفتحة فقد سقط وهو الألف المنقلبة من الياء التي سقطت لالتقاء الساكنين فإذا سقطت لم يجز إمالة فتحة الهمزة فإذا لم يجز إمالة فتحة الهمزة وجب أن لا يجوز إمالة فتحة الراء فقيل إن إمالة فتحة الراء في تراآى جائزة في الوصل مع سقوط الألف من تفاعل لالتقاء الساكنين وما سقط الألف عن تفاعل لالتقاء الساكنين فهو عندهم في حكم الثابت يدل على ذلك قولهم ولا ذاكرا لله إلا قليلا فنصب مع سقوط التنوين لالتقاء الساكنين كما ينصب إذا ثبت وزعم أبو الحسن أنه قد قرأ في القتلى الحر بإمالة فتحة اللام مع سقوط الألف وقال ابن جني قوله إن كنا أول المؤمنين من الكلام الذي يعتاده المستظهر المدل بما عنده يقول الرجل لصاحبه أنا أحفظه عليك إن كنت وافيا ولن يضيع لك جميل عندي إن كنت شاكرا أي فكما تعلم إن هذا معروف من حالي فثق بوفائي وشكري ومثله بيت كتاب سيبويه:

أتغضب أن أذنا قتيبة حزتا

جهارا ولم تغضب لقتل ابن حازم

فشرط بذلك وقد كان ووقع قبل ذلك وقد جاء به أبو تمام فقال:

ومكارما عتق النجار تليدة

إن كان هضب عمايتين تليدا

أي كما كان هضب عمايتين تليدا فكذلك هذه المكارم وأما قوله حادرون فالحادر القوي الشديد ومنه الحادرة الشاعرة وحدر الرجل إذا قوي جسمه وامتلأ لحما وشحما قال الأعشى:

وعسير أدماء حادرة العين

خنوف عير أنة شملال

ويقال أدركت الشيء وأدركته بمعنى ومن قرأ ﴿وأزلفنا﴾ بالفاء فالآخرون موسى وأصحابه ومن قرأ بالقاف فالآخرون فرعون وأصحابه أي أهلكناهم.

اللغة:

سرى وأسرى لغتان وقد فرق بينهما والشرذمة العصبة الباقية من عصب كثيرة

وشرذمة كل شيء بقيته القليلة قال الراجز:

جاه الشتاء وقميصي أخلاق

شراذم يضحك منها التواق

والفرق بين الحذر والحاذر أن الحاذر الفاعل للحذر والحذر المطبوع على الحذر والكنوز الأموال المخباة في مواضع غامضة من الأرض بعضها على بعض ومنه كناز التمر وغيره مما يعبأ بعضه على بعض والمقام الموضع الذي يقام فيه والكريم الحقيق بإعطاء الخير الجزيل وهي صفة تعظيم في المدح واتبع فلان فلانا وتبعه إذا اقتفى أثره والإشراق الدخول في وقت شروق الشمس ويقال شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت وصفت وأشرقنا دخلنا في الشروق وتراءا الجمعان أي تقابلا بحيث يرى كل منهما صاحبه ويقال تراءى نارا هما إذا تقابلا وإنما جاز تثنية الجمع لأنه يقع عليه صفة التوحيد فتقول هذا جمع واحد كما تقول جملة واحدة والإدراك اللحاق يقال أدرك قتادة الحسن أي لحقه وأدرك الزرع أي لحق ببلوغه وأدرك الغلام أي بلغ وأدركت القدر نضجت والطود الجبل قال الأسود بن يعفر:

حلوا بانقرة يجيش عليهم

ماء الفرات يجيء من أطواد

والإزدلاف الإدناء والتقريب ومنه المزدلفة أبو عبيدة أزلفنا جمعنا وليلة المزدلفة ليلة جمع قال الشاعر:

وكل يوم مضى أو ليلة سلفت

فيها النفوس إلى الآجال تزدلف

والآخر بفتح الخاء الثاني من قسمي أحد يقال نجى الله أحدهما وأهلك الآخر وبكسر الخاء هو الثاني من قسمي الأول يقال نجى الأول وهلك الآخر.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن السحرة أنهم قالوا لفرعون حين آمنوا ﴿إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا﴾ أي ما فعلناه من السحر وغيره ﴿أن كنا أول المؤمنين﴾ أي لأنا كنا أول من صدق موسى وأقر بنبوته وبما دعانا إليه من التوحيد ونفي التشبيه وقيل أنهم أول من آمن عند تلك الآية أو أول من آمن من آل فرعون لأن بني إسرائيل كانوا آمنوا به ﴿وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي﴾ سبق تفسيره في سورة طه ﴿إنكم متبعون﴾ بتبعكم فرعون وجنوده ليحولوا بينكم وبين الخروج من أرض مصر ﴿فأرسل فرعون في المدائن حاشرين﴾ يحشرون إليه الناس ويجمعون له الجيوش ليقبضوا على موسى وقومه لما ساروا بأمر الله عز وجل فلما حضروا عنده قال لهم ﴿إن هؤلاء﴾ يعني أصحاب موسى ﴿لشرذمة قليلون﴾ أي عصابة من الناس قليلة قال الفراء يقال عصبة قليلة وقليلون وكثيرة وكثيرون قال المفسرون وكان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف ولا يحصى عدد أصحاب فرعون ﴿وإنهم لنا لغائظون﴾ يقال غاظه واغتاظه وغيظه إذا أغضبه أي أنهم غاظونا لمخالفتهم إيانا في الدين ثم لخروجهم من أرضنا على كره منا وذهابهم بالحلي الذي استعاروها وخلوصهم من استعبادنا ﴿وإنا لجميع حاذرون﴾ أي خائفون شرهم وحاذرون أي مؤدون مقوون أي ذوو أداة وقوة مستعدون شاكون في السلاح وقال الزجاج الحاذر المستعد والحذر المتيقظ ثم أخبر سبحانه عن كيفية إهلاكهم بقوله ﴿فأخرجناهم﴾ يعني آل فرعون ﴿من جنات﴾ أي بساتين ﴿وعيون﴾ جارية فيها ﴿وكنوز﴾ أي أموال مخبأة وخزائن ودفائن ﴿ومقام كريم﴾ أي منابر يخطب عليها الخطباء عن ابن عباس وقيل هو مجالس الأمراء والرؤساء التي كان يحف بها الأتباع فيأتمرون بأمرهم وقيل المنازل الحسان التي كانوا مقيمين فيها في كرامة وقيل يريد مرابط الحيل لتفرد الرؤساء بارتباطها عدة وزينة فصار مقامها أكرم مقام متروك ﴿كذلك﴾ أي كما وصفنا لك أخبارهم ﴿وأورثناها بني إسرائيل﴾ وذلك إن الله سبحانه رد بني إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه وأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والعقار والمساكن والديار ﴿فأتبعوهم مشرقين﴾ يعني قوم فرعون أدركوا موسى وأصحابه حين شرقت الشمس وظهر ضوءها وذلك قوله ﴿فلما تراءا الجمعان﴾ أي تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه ﴿قال أصحاب موسى إنا لمدركون﴾ أي سيدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا بهم ﴿قال﴾ موسى ثقة بنصر الله تعالى ﴿كلا﴾ لن يدركونا ولا يكون ما تظنون فانتهوا عن هذا القول ﴿إن معي ربي﴾ بنصره ﴿سيهدين﴾ أي سيرشدني إلى طريق النجاة وقيل سيكفيني عن السدي ﴿فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر﴾ وهو نهر النيل ما بين إيلة ومصر وقيل هو بحر قلزم ما بين اليمن ومكة إلى مصر وفيه حذف أي فضرب ﴿فانفلق﴾ أي فانشق البحر وظهر فيه اثنا عشر طريقا وقام الماء عن يمين الطريق ويساره كالجبل العظيم وذلك قوله ﴿فكان كل فرق كالطود العظيم﴾ أي فكان كل قطعة من البحر كالجبل العظيم والفرق الاسم لما انفرق والفرق مصدر ﴿وأزلفنا ثم الآخرين﴾ أي قربنا إلى البحر فرعون وقومه حتى أغرقناهم عن ابن عباس وقتادة وقيل معناه جمعنا في البحر فرعون وقومه عن أبي عبيدة وقيل معناه وقربناهم إلى المنية لمجيء وقت هلاكهم ﴿وأنجينا موسى ومن معه أجمعين﴾ يعني بني إسرائيل أنجينا جميعهم من الغرق والهلاك ﴿ثم أغرقنا الآخرين﴾ فرعون وجنوده ﴿إن في ذلك لآية﴾ معناه إن في فرق البحر وإنجاء موسى وقومه وإغراق فرعون وقومه لدلالة واضحة على توحيد الله وصفاته التي لا يشاركه فيها غيره ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ معناه أنهم مع هذا السلطان الظاهر والبرهان الباهر والمعجز القاهر ما آمن أكثرهم فلا تستوحش يا محمد من قعود قومك عن الحق الذي تأتيهم به وتدلهم عليه فقد جروا على عادة أسلافهم في إنكار الحق وقبول الباطل ﴿وإن ربك لهو العزيز﴾ في سلطانه ﴿الرحيم﴾ بخلقه وقيل العزيز في انتقامه من أعدائه الرحيم في إنجائه من الهلاك لأوليائه وقيل أنه لم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون ومريم التي دلت على عظام يوسف.