الآيات 1-9

طسم ﴿1﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿2﴾ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿3﴾ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴿4﴾ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴿5﴾ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ﴿6﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴿7﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿8﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿9﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير الأعشى والبرجمي وحفص ﴿طسم﴾ ويس وحم بالإمالة والباقون بالفتح والتفخيم وابن كثير أشد فتحا وتفخيما وكذلك عاصم ثم يعقوب والآخرون لا يفتحون فتحا شديدا وقرأ أبو جعفر وحمزة بإظهار النون من سين عند الميم والآخرون يدغمون.

الحجة:

قال أبو علي تبيين النون هو الوجه لأن حروف الهجاء في تقدير الانفصال والانقطاع مما بعدها فإذا كان كذلك وجب تبيين النون لأنها إنما تخفى إذا اتصلت بحرف من حروف الفم فإذا لم تتصل بها لم يكن شيء يوجب إخفاءها ووجه إخفائها مع هذه الحروف أن همزة الوصل قد وصلت ولم تقطع وهمزة الوصل إنما تذهب في الدرج فلما سقطت همزة الوصل وهي لا تسقط إلا في الدرج مع هذه الحروف في ألف لام ميم الله كذلك لا يبين النون ويقدر فيها الاتصال بما قبلها ولا يقدر الانفصال.

الإعراب:

﴿أن لا يكونوا﴾ في محل نصب بأنه مفعول له والتقدير لأن لا يكونوا أو بأن لا يكونوا ﴿ظلت أعناقهم﴾ في موضع جزم عطفا على تنزل ﴿من ذكر﴾ في محل رفع ومن مزيدة وكم في موضع نصب بأنه مفعول أنبتنا و﴿أنبتنا﴾ في موضع نصب على الحال وقد مضمرة والتقدير مثبتا.

المعنى:

﴿طسم﴾ قد بينا معاني هذه الحروف المقطعة في أول البقرة فلا معنى لإعادته وقال مجاهد والضحاك إن ﴿طسم﴾ وطس من أسماء القرآن وقال ابن عباس في رواية الوالبي طسم قسم وهو من أسماء الله عز وجل وقال القرظي أقسم الله بطوله وسنائه وملكه وروي عن ابن الحنفية عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزلت ﴿طسم﴾ قال الطاء طور سيناء وسين الإسكندرية والميم مكة وقيل الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿تلك آيات الكتاب المبين﴾ أشار بتلك إلى ما ليس بحاضر لكنه متوقع فهو كالحاضر لحضور المعنى في النفس والتقدير تلك الآيات التي وعدتم بها هي آيات الكتاب أي القرآن والمبين الذي يبين الحق من الباطل ﴿لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين﴾ أي لعلك مهلك نفسك وقاتل نفسك بأن لا يكونوا مؤمنين وبأن يقيموا على الكفر إنما قال ذلك سبحانه تسلية لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتخفيفا عنه بعض ما كان يصيبه من الاغتمام لذلك ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية﴾ أي دلالة وعلامة تلجئهم وتضطرهم إلى الإيمان ﴿فظلت أعناقهم لها﴾ أي لتلك الآية ﴿خاضعين﴾ منقادين وقيل في ذلك وجوه (أحدها) إن المراد فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لدلالة الكلام عليه (وثانيها) أنه جعل الفعل أولا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون (وثالثها) إن الخضوع مردود إلى المضمر الذي أضيف الأعناق إليه عن الأخفش والمبرد وأبي عبيدة وأنشدوا قول جرير:

أرى مر السنين أخذن مني

كما أخذ السرار من الهلال

(ورابعها) إن المراد بالأعناق الرؤساء والجماعات يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة (و خامسها) إنه لما وصف الأعناق بصفة ما يعقل نسب إليها ما يكون من العقلاء كما قال الشاعر:

تمززتها والديك يدعو صياحه

إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا

وروي نادى صياحه وذكر أبو حمزة الثمالي في هذه الآية أنها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان وتخرج له العواتق من البيوت وقال ابن عباس نزلت فينا وفي بني أمية قال سيكون لنا عليهم الدولة فتخضع لنا أعناقهم بعد صعوبتها وتلين ﴿وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين﴾ أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنه لا يأتيهم ذكر من الرحمن محدث أي جديد يعني القرآن كما قال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقال إن هو إلا ذكر إلا أعرضوا عن الذكر ولم يتدبروا فيه ﴿فقد كذبوا فسيأتيهم﴾ فيما بعد يعني يوم القيامة ﴿أنباء ما كانوا به يستهزءؤن﴾ وهي مفسرة في سورة الأنعام ﴿أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج﴾ معناه من كل نوع معه قرينة ﴿كريم﴾ أي حسن وقيل نافع محمود مما يحتاج إليه وقيل من كل صنف يكرم على أهله وقيل كريم مما يأكل الناس والأنعام عن مجاهد وقال الشعبي الناس نبات الأرض كما قال سبحانه والله أنبتكم من الأرض نباتا فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم ﴿إن في ذلك لآية﴾ أي لدلالة على وحدانيتنا وكمال قدرتنا ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ أي لا يصدقون بذلك ولا يعترفون به عنادا وتقليدا لأسلافهم وهربا من مشقة التكليف قال سيبويه كان هنا مزيدة ومجازه وما أكثرهم مؤمنين ﴿وإن ربك﴾ يا محمد ﴿لهو العزيز﴾ أي القادر والذي لا يعجز والغالب الذي لا يغلب ﴿الرحيم﴾ أي المنعم على عباده بأنواع النعم.