الآيات 94-98

وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ﴿94﴾ قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ﴿95﴾ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴿96﴾ قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴿97﴾ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿98﴾

اللغة:

الفصل أصله القطع ومنه قيل للحاكم فيصل لأنه يقطع الأمور والتفنيد تضعيف الرأي قال:

يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي

فليس ما فأت من أمر بمردود والفند ضعف الرأي وقيل إن أصله الفساد قال النابغة:

إلا سليمان إذ قال المليك له

قم في البرية فاحددها عن الفند

أي امنعها عن الفساد.

المعنى:

﴿ولما فصلت العير﴾ أي لما خرجت القافلة وانفصلت من مصر متوجهة نحو الشام ﴿قال أبوهم﴾ يعقوب لأولاد أولاده الذين كانوا عنده ﴿إني لأجد ريح يوسف﴾ روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال وجد يعقوب ريح قميص يوسف حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين من مسيرة عشر ليال وقيل من مسيرة ثماني ليال عن ابن عباس وقيل من ثمانين فرسخا عن الحسن وقيل مسيرة شهر عن الأصم قال ابن عباس هاجت ريح فحملت بريح قميص يوسف إلى يعقوب وذكر في القصة أن الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها فأتته بها ولذلك يستروح كل محزون بريح الصبا وقد أكثر الشعراء من ذكرها فمن ذلك قولهم:

فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت

على نفس مهموم تجلت همومها وقول أبي الصخر الهذلي:

إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني

نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر وقوله ﴿لولا أن تفندون﴾ معناه لو لا أن تسفهوني عن ابن عباس ومجاهد وقيل لو لا أن تضعفوني في الرأي عن ابن إسحاق وقيل لو لا أن تكذبوني والفند الكذب عن سعيد بن جبير والسدي والضحاك وروي ذلك أيضا عن ابن عباس وقيل لو لا أن تهرموني عن الحسن وقتادة أي تقولون أنه شيخ قد هرم وخرف وذهب عقله وتقديره إني أقطع أنها ريح يوسف لو لا أن تفندون ﴿قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم﴾ أي قالوا له إشفاقا عليه وترحما إنك لفي ذهابك القديم عن الصواب في حب يوسف (عليه السلام) وأنه كان عندهم أن يوسف قد مات منذ سنين ولم يريدوا بذلك الضلال عن الدين وإنما أرادوا به المبالغة في حب يوسف والأماني الفاسدة فيما كان يرجو من عوده بعد موته عن قتادة والحسن وقيل معناه إنك لفي شقائك القديم عن مقاتل وفي هذا دلالة على أن لفظ القديم قد يطلق في اللغة على المتقدم في الوجود ﴿فلما أن جاء البشير﴾ وهو يهوذا عن ابن عباس وفي رواية أخرى عنه أنه مالك بن ذعر ﴿ألقاه على وجهه فارتد بصيرا﴾ أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب فعاد بصيرا قال الضحاك عاد إليه بصره بعد العمى وقوته بعد الضعف وشبابه بعد الهرم وسروره بعد الحزن فقال للبشير ما أدري ما أثيبك به هون الله عليك سكرات الموت ﴿قال﴾ يعقوب لهم ﴿ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون﴾ أي إني كنت أعلم أن الله يصدق رؤيا يوسف ويكشف الشدائد عن أنبيائه بالصبر وكنتم لا تعلمون ذلك قال الحسن كان الله سبحانه أعلمه بحياته ولم يعلمه بمكانه ﴿قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين﴾ فيما فعلنا ﴿قال﴾ يعقوب ﴿سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم﴾ إنما لم يستغفر لهم في الحال لأنه أخرهم إلى سحر ليلة الجمعة عن ابن عباس وطاووس وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل أخرهم إلى وقت السحر لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء عن ابن مسعود وإبراهيم التيمي وابن جريج وروي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل أنه كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة عن وهب وقيل أنه كان يقوم ويصف أولاده خلفه عشرين سنة يدعو ويؤمنون على دعائه واستغفاره لهم حتى نزل قبول توبتهم وروي أن جبرائيل (عليه السلام) علم يعقوب هذا الدعاء يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي ويا غوث المؤمنين أغثني ويا عون المؤمنين أعني ويا حبيب التوابين تب علي واستجب لهم.