الآيات 11-15
قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴿12﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿13﴾ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿14﴾ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿15﴾
اللغة:
التوفي أخذ الشيء على تمام قال الراجز:
إن بني دارم ليسوا من أحد
ولا توفتهم قريش في العدد
يقال استوفى الدين إذا قبضه على كماله والتوكيل تفويض الأمر إلى غيره للقيام به والنكس قلبك الشيء على رأسه ويقال في المرض النكس بضم النون وأما النكس بكسر النون فهو السهم ينكس فيجعل أعلاه أسفله.
الإعراب:
﴿ولو ترى إذ المجرمون﴾ يجوز أن يكون مفعول ترى محذوفا فيكون تقديره ولو ترى المجرمين إذ هم ناكسوا رءوسهم ويجوز أن يكون المعنى لو رأيت ببصرك مثل قوله ﴿وإذا رأيت ثم رأيت نعيما﴾ فيكون ترى عاملا في إذ وجواب لو محذوف تقديره لو رأيت المجرمين على تلك الحالة رأيت ما تعتبر به غاية الاعتبار ﴿فذوقوا﴾ أي فيقال لهم ذوقوا العذاب بنسيانكم وهذا في موضع جر على أنه صفة ليومكم.
المعنى:
ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿قل﴾ يا محمد للمكلفين ﴿يتوفيكم﴾ أي يقبض أرواحكم أجمعين وقيل يقبضكم واحدا واحدا حتى لا يبقى منكم أحدا ﴿ملك الموت الذي وكل بكم﴾ أي وكل بقبض أرواحكم عن ابن عباس قال جعلت الدنيا بين يدي ملك الموت مثل جام يأخذ منها ما شاء إذا قضى عليه الموت من غير عناء وخطوته ما بين المشرق والمغرب وقيل إن له أعوانا كثيرة من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب عن قتادة والكلبي فعلى هذا المراد بملك الموت الجنس ويدل عليه قوله ﴿توفته رسلنا﴾ وقوله ﴿تتوفيهم الملائكة﴾ وأما إضافة التوفي إلى نفسه في قوله ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾ فلأنها سبحانه خلق الموت ولا يقدر عليه أحد سواه ﴿ثم إلى ربكم ترجعون﴾ أي إلى جزاء ربكم من الثواب والعقاب تردون وجعل ذلك رجوعا إليه تفخيما للأمر وتعظيما للحال وروى عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمراض والأوجاع كلها بريد للموت ورسل للموت فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال يا أيها العبد كم خبر بعد خبر وكم رسول بعد رسول وكم بريد بعد بريد أنا الخبر الذي ليس بعدي خبر وأنا الرسول أجب ربك طائعا أو مكرها فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه قال على من تصرخون وعلى من تبكون فو الله ما ظلمت له أجلا ولا أكلت له رزقا بل دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي منكم أحدا ثم أخبر سبحانه عن حالهم في القيامة وعند الحساب فقال ﴿ولو ترى﴾ يا محمد أو أيها الإنسان ﴿إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم﴾ أي يوم القيامة حين يكون المجرمون متطاطئي رءوسهم ومطرقيها حياء وندما وذلا ﴿عند ربهم﴾ أي عند ما يتولى الله سبحانه حساب خلقه يقولون ﴿ربنا أبصرنا وسمعنا﴾ أي أبصرنا الرشد وسمعنا الحق وقيل معناه أبصرنا صدق وعدك وسمعنا منك تصديق رسلك وقيل معناه إنا قد كنا بمنزلة العمي فأبصرنا وبمنزلة الصم فسمعنا ﴿فارجعنا﴾ أي فارددنا إلى دار التكليف ﴿نعمل صالحا﴾ من الصالحات ﴿إنا موقنون﴾ اليوم لا نرتاب شيئا من الحق والرسالة ثم قال سبحانه ﴿ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها﴾ بأن نفعل أمرا من الأمور يلجئهم إلى الإقرار بالتوحيد ولكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف لأن المقصود به استحقاق الثواب والإلجاء لا يثبت معه استحقاق الثواب قال الجبائي ويجوز أن يكون المراد به ولو شئنا لأجبناهم إلى ما سألوا من الرد إلى دار التكليف ليعملوا بالطاعات ولكن حق القول مني أن أجازيهم بالعقاب ولا أردهم وقيل معناه ولو شئنا لهديناهم إلى الجنة ﴿ولكن حق القول مني﴾ أي الخبر والوعيد ﴿لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾ أي من كلا الصنفين بكفرهم بالله سبحانه وجحدهم وحدانيته وكفرانهم نعمته والقول من الله سبحانه بمنزلة القسم فلذلك أتى بجواب القسم وهو قوله ﴿لأملأن جهنم﴾ ثم حكى سبحانه ما يقال لهؤلاء الذين طلبوا الرجعة إلى دار التكليف إذا جعلوا في العذاب بقوله ﴿فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا﴾ أي بما فعلتم فعل من نسي لقاء جزاء هذا اليوم فتركتم ما أمركم الله به وعصيتموه والنسيان الترك ومنه قول النابغة:
سفود شرب نسوة عند مفتاد
أي تركوه فلم يستعملوه قال المبرد لأنه لو كان المراد النسيان الذي هو ضد الذكر لجاز أن يكونوا استعملوه ﴿إنا نسيناكم﴾ أي فعلنا معكم فعل من نسيكم من ثوابه أي ترككم من نعيمه جزاء على ترككم طاعتنا ﴿وذوقوا عذاب الخلد﴾ الذي لا فناء له ﴿بما كنتم تعملون﴾ من الكفر والمعاصي ثم أخبر سبحانه عن حال المؤمنين فقال ﴿إنما يؤمن بآياتنا﴾ أي يصدق بالقرآن وسائر حججنا ﴿الذين إذا ذكروا بها﴾ تذكروا واتعظوا بمواعظها بأن ﴿خروا سجدا﴾ أي ساجدين شكرا لله سبحانه على أن هداهم بمعرفته وأنعم عليهم بفنون نعمته ﴿وسبحوا بحمد ربهم﴾ أي نزهوه عما لا يليق به من الصفات وعظموه وحمدوه ﴿وهم لا يستكبرون﴾ عن عبادته ولا يستنكفون من طاعته ولا يأنفون أن يعفروا وجوههم صاغرين له.