الآيات 71-75

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿71﴾ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿72﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿73﴾ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿74﴾ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿75﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ﴿فتحت﴾ ﴿وفتحت﴾ بالتخفيف فيهما والباقون بالتشديد.

الحجة:

حجة التشديد قوله ﴿مفتحة لهم الأبواب﴾ وإن التشديد يختص بالكثرة ووجه التخفيف أن التخفيف يصلح للقليل والكثير.

اللغة:

السوق الحث على السير ومنه قولهم الكلام يجري على سياقة واحدة ومنه السوق لأن المعاملة تساق فيها بالبيع والشراء والزمر جمع زمرة وهي الجماعة لها صوت كصوت المزمار ومنه مزامير داود وهي أصوات كانت له مستحسنة قال:

له زجل كأنه صوت حاد

إذا طلب الوسيقة أو زمير

وقال أبو عبيدة هم جماعات في تفرقة بعضهم في إثر بعض وحف القوم بفلان إذا أطافوا به وأحدقوا به والحفافان الجانبان قال المبرد الواو في قوله ﴿حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها﴾ زائدة وكان ينكر قول من يقول هي واو الثمانية وأنشد لامرء القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى

بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل

قال والمعنى فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا قال علي بن عيسى إنما جيء بهذه الواو تارة وحذفت أخرى للتصرف في الكلام وجواب إذا في صفة أهل الجنة محذوف وتقديره حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وكانوا كيت وكيت فازوا ونالوا المنى وما أشبه ذلك وهذا معنى قول الخليل لأنه قال في بيت امرء القيس الجواب محذوف والتقدير فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا خلونا ونعمنا ومثله قول بعض الهذليين:

حتى إذا سلكوهم في قتائدة

شلا كما تطرد الجمالة الشردا

فحذف جواب إذا لأن هذا البيت آخر القصيدة وتحقيقه إن التقدير حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها فالواو واو حال وجواب إذا مضمر كما أضمر في قوله ﴿حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت﴾ إلى قوله ﴿ثم تاب عليهم﴾ والتقدير قاربوا الهلاك ثم تاب عليهم.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن قسمة أحوال الخلائق في المحشر بعد فصل القضاء فقال ﴿وسيق الذين كفروا﴾ أي يساقون سوقا في عنف ﴿إلى جهنم زمرا﴾ أي فوجا بعد فوج وزمرة بعد زمرة ﴿حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها﴾ أي حتى إذا انتهوا إلى جهنم فتحت أبواب جهنم عند مجيئهم إليها وهي سبعة أبواب ﴿وقال لهم خزنتها﴾ الموكلون بها على وجه التهجين لفعلهم والإنكار عليهم ﴿ألم يأتكم رسل منكم﴾ أي من أمثالكم من البشر ﴿يتلون عليكم﴾ يقرءون عليكم حجج ربكم وما يدلكم على معرفته ووجوب عبادته ﴿وينذرونكم لقاء يومكم هذا﴾ أي ويخوفونكم من مشاهدة هذا اليوم وعذابه ﴿قالوا﴾ أي قال الكفار لهم ﴿بلى﴾ قد جاءتنا رسل ربنا وخوفونا بآيات الله ﴿ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين﴾ أي وجب العقاب على من كفر بالله تعالى لأنه أخبر بذلك وعلم من يكفر ويوافي بكفره فقطع على عقابه فلم يكن شيء يقع منه خلاف ما علمه وأخبر به فصار كوننا في جهنم موافقا لما أخبر به تعالى ولما علمه ﴿قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها﴾ أي فيقول عند ذلك خزنة جهنم وهم الملائكة الموكلون ادخلوا أبواب جهنم مؤبدين لا آخر لعقابكم ﴿فبئس مثوى المتكبرين﴾ أي بئس موضع إقامة المتكبرين عن الحق وقبوله جهنم ﴿وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا﴾ أي يساقون مكرمين زمرة بعد زمرة كقوله ﴿يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا﴾ وإنما ذكر السوق على وجه المقابلة لسوق الكافرين إلى جهنم كلفظ البشارة في قوله فبشرهم بعذاب أليم وإنما البشارة هي الخبر السار ﴿حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها﴾ أي وقد فتحت أبوابها قبل مجيئهم وأبواب الجنة ثمانية وعن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أن في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخلها إلا الصائمون رواه البخاري ومسلم في الصحيحين ﴿وقال لهم خزنتها﴾ عند استقبالهم ﴿سلام عليكم﴾ أي سلامة من الله عليكم يحيونهم بالسلامة ليزدادوا بذلك سرورا وقيل هو دعاء لهم بالسلامة والخلود أي سلمتم من الآفات ﴿طبتم﴾ أي طبتم بالعمل الصالح في الدنيا وطابت أعمالكم الصالحة وزكت وقيل معناه طابت أنفسكم بدخول الجنة وقيل أنهم طيبوا قبل دخول الجنة بالمغفرة واقتص لبعضهم من بعض فلما هذبوا وطيبوا قال لهم الخزنة طبتم عن قتادة وقيل طبتم أي طاب لكم المقام عن ابن عباس وقيل إنهم إذا قربوا من الجنة يردون على عين من الماء فيغتسلون بها ويشربون منها فيطهر الله أجوافهم فلا يكون بعد ذلك منهم حدث وأذى ولا تتغير ألوانهم فتقول الملائكة ﴿طبتم فادخلوها خالدين﴾ أي فادخلوا الجنة خالدين مخلدين مؤبدين ﴿وقالوا﴾ أي ويقول أهل الجنة إذا دخلوها اعترافا بنعم الله تعالى عليهم ﴿الحمد لله الذي صدقنا وعده﴾ الذي وعدناه على ألسنة الرسل ﴿وأورثنا الأرض﴾ أي أرض الجنة لما صارت الجنة عاقبة أمرهم عبر عن ذلك بلفظ الميراث والإيراث وقيل لأنهم ورثوها عن أهل النار ﴿نتبوأ من الجنة﴾ أي نتخذ من الجنة مبوأ ومأوى ﴿حيث نشاء﴾ وهذا إشارة إلى كثرة قصورهم ومنازلهم وسعة نعمتهم ﴿فنعم أجر العاملين﴾ أي فنعم ثواب المحسنين الجنة والنعيم فيها ﴿وترى الملائكة حافين من حول العرش﴾ معناه ومن عجائب أمور الآخرة إنك ترى الملائكة محدقين بالعرش عن قتادة والسدي يطوفون حوله ﴿يسبحون بحمد ربهم﴾ أي ينزهون الله تعالى عما لا يليق به ويذكرونه بصفاته التي هو عليها وقيل يحمدون الله تعالى حيث دخل الموحدون الجنة وقيل أن تسبيحهم في ذلك الوقت على سبيل التلذذ والتنعم لا على وجه التعبد إذ ليس هناك تكليف وقد عظم الله سبحانه أمر القضاء في الآخرة بنصب العرش وقيام الملائكة حوله معظمين له سبحانه ومسبحين كما أن السلطان إذا أراد الجلوس للمظالم وقعد على سريره وأقام جنده حوله تعظيما لأمره وإن استحال كونه عز وجل على العرش إذ ليس بصفة الجواهر والأجسام والجلوس على العرش من صفات الأجسام ﴿وقضي بينهم بالحق﴾ أي وفصل بين الخلائق بالعدل وقيل بين الأنبياء والأمم وقيل بين أهل الجنة والنار ﴿وقيل الحمد لله رب العالمين﴾ من كلام أهل الجنة يقولون ذلك شكرا لله على نعمه التامة وقيل أنه من كلام الله تعالى فقال في ابتداء الخلق الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وقال بعد إفناء الخلق ثم بعد بعثهم واستقرار أهل الجنة في الجنة الحمد لله رب العالمين فوجب الأخذ بأدبه في ابتداء كل أمر بالحمد وختمه بالحمد.