الآيات 31-35

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴿31﴾ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ﴿32﴾ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿33﴾ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴿34﴾ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿35﴾

الإعراب:

﴿بل مكر الليل والنهار﴾ فيه وجهان (أحدهما) أن يكون مكر مبتدأ وخبره محذوفا أي مكركم في الليل والنهار صدنا عن ذلك حين أمرتمونا أن نكفر بالله (والآخر) أن يكون فاعل فعل محذوف تقديره بل صدنا مكركم في الليل والنهار والعرب تضيف الأحداث إلى الزمان على سبيل الاتساع فتقول صيام النهار وقيام الليل والمعنى أن الصيام في النهار

والقيام في الليل قال الشاعر:

لقد لمتنا يا أم غيلان في السري

ونمت وما ليل المطي بنائم

فوصف الليل بالنوم وهذا على حد قولك نهارك صائم وليلك قائم.

المعنى:

ثم بين سبحانه حالهم في القيامة فقال حكاية عنهم ﴿وقال الذين كفروا﴾ وهم اليهود وقيل هم مشركو العرب وهو الأصح ﴿لن نؤمن بهذا القرآن﴾ أي لا نصدق بأنه من الله تعالى ﴿ولا بالذي بين يديه﴾ من أمر الآخرة وقيل يعنون به التوراة والإنجيل وذلك أنه لما قال مؤمنوا أهل الكتاب أن صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابنا وهو نبي مبعوث كفر المشركون بكتابهم ثم قال ﴿ولو ترى﴾ يا محمد ﴿إذ الظالمون موقوفون عند ربهم﴾ أي محبوسون للحساب يوم القيامة ﴿يرجع بعضهم إلى بعض القول﴾ أي يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال ﴿يقول الذين استضعفوا﴾ وهم الأتباع ﴿للذين استكبروا﴾ وهم الأشراف والقادة ﴿لولا أنتم لكنا مؤمنين﴾ مصدقين بتوحيد الله أي أنتم منعتمونا من الإيمان والمعنى لو لا دعاؤكم إيانا إلى الكفر لآمنا بالله في الدنيا ﴿قال الذين استكبروا للذين استضعفوا﴾ أي قال المتبوعون للأتباع على طريق الإنكار ﴿أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم﴾ أي لم نصدكم نحن عن قبول الهدى ﴿بل كنتم مجرمين﴾ أي بل أنتم كفرتم ولم نحملكم على الكفر قهرا فكل واحد من الفريقين ورك الذنب على صاحبه واتهمه ولم يضف واحد منهم الذنب إلى الله تعالى ﴿وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا﴾ يعني الأتباع للمتبوعين ﴿بل مكر الليل والنهار﴾ أي مكركم في الليل والنهار صدنا عن قبول الهدى ﴿إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا﴾ أي حين أمرتمونا أن نجحد وحدانية الله تعالى ودعوتمونا إلى أن نجعل له شركاء في العبادة ﴿وأسروا الندامة﴾ فيه وجهان (أحدهما) أن معناه أظهروا الندامة (والآخر) أن المعنى أخفوها وقد فسر الأسرار في بيت امرىء القيس:

تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا

علي حراصا لو يسرون مقتلي

على الوجهين فمن قال بالأول قال معناه أظهر المتبوعون الندامة على الإضلال وأظهر الأتباع الندامة على الضلال وقيل معناه أقبل بعضهم على بعض يلومه ويظهر ندمه ومن قال بالثاني قال معناه أخفوا الندامة في أنفسهم خوف الفضيحة وقيل معناه أن الرؤساء أخفوا الندامة عن الأتباع ﴿لما رأوا العذاب﴾ أي حين رأوا نزول العذاب بهم ﴿وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا﴾ قال ابن عباس غلوا بها في النيران ﴿هل يجزون إلا ما كانوا يعملون﴾ أي لا يجزون إلا بأعمالهم التي عملوها على قدر استحقاقهم ﴿وما أرسلنا في قرية من نذير﴾ أي من نبي مخوف بالله تعالى ﴿إلا قال مترفوها﴾ أي جبابرتها وأغنياؤها المتنعمون فيها ﴿إنا بما أرسلتم به كافرون﴾ وفي هذا بيان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أهل قريته جروا على منهاج الأولين وإشارة إلى أنه كان أتباع الأنبياء فيما مضى الفقراء وأوساط الناس دون الأغنياء ثم بين سبحانه علة كفرهم بأن قال ﴿وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا﴾ أي افتخروا بأموالهم وأولادهم ظنا بأن الله سبحانه إنما خولهم المال والولد كرامة لهم عنده فقالوا إذا رزقنا وحرمتم فنحن أكرم منكم وأفضل عند الله تعالى فلا يعذبنا على كفرنا بكم وذلك قوله ﴿وما نحن بمعذبين﴾ ولم يعلموا أن الأموال والأولاد عطاء من الله تعالى يستحق به الشكر عليهم وليس ذلك للإكرام والتفضل.