الآيات 63-66

فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿63﴾ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿64﴾ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴿65﴾ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴿66﴾

القراءة:

قرأ يكتل بالياء أهل الكوفة غير عاصم والباقون بالنون وقرأ ﴿خير حافظا﴾ بالألف أهل الكوفة غير أبي بكر والباقون حفظا بغير ألف وفي الشواذ قراءة علقمة ويحيى ردت إلينا بكسر الراء.

الحجة:

قال أبو علي يدل على النون في نكتل قوله ﴿ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير﴾ أ لا ترى أنهم إنما يميرون أهلهم بما يكتالون فيكون نكتل مثل نمير وأيضا فإذا قالوا نكتل جاز أن يكون أخوهم داخلا معهم وإذا كان بالياء لم يدخلوهم فيه وزعموا أن في قراءة عبد الله نكتل بالنون وكان النون لقولهم منع منا الكيل لغيبة أخينا فأرسله نكتل ما منعناه لغيبته ووجه الياء أنه يكتل حمله كما نكتال نحن أحمالنا ووجه من قرأ خير حفظا أنه قد ثبت من قوله ونحفظ أخانا وقوله ﴿وإنا له لحافظون﴾ أنهم قد أضافوا إلى أنفسهم حفظا فالمعنى على الحفظ الذي نسبوه إلى أنفسهم وإن كان منهم تفريط في حفظهم ليوسف كما أن قوله أين شركائي لم يثبت لله شريكا وإنما المعنى على الشركاء الذين نسبتموهم إلي فكذلك المعنى على الحفظ الذي نسبوه إلى أنفسهم وإن كان منهم تفريط فيه فإذا كان كذلك كان المعنى فالله خير حفظا من حفظكم الذي نسبتموه إلى أنفسكم وإن كان منكم فيه تفريط وإضافة خير إلى حفظ محال ولكن تقول حفظ الله خير من حفظكم ومن قرأ ﴿حافظا﴾ فيكون حافظا منتصبا على التمييز دون الحال كما كان حفظا كذلك ولا يستحيل الإضافة في فالله خير حافظ وخير الحافظين كما يستحيل في خير حفظا فإن قلت فهل كان ثم حافظ كما ثبت أنه كان حفظ لما قدمته فالقول أنه قد ثبت أنه كان ثم حافظ لقوله ﴿وإنا له لحافظون﴾ ولقوله يحفظونه من أمر الله فتقول حافظ الله خير من حافظكم كما كان حفظ الله خير من حفظكم لأن الله سبحانه حافظه كما أن له حفظا فحافظه خير من حافظكم كما كان حفظه خيرا من حفظكم وتقول هو أحفظ حافظ كما تقول هو أرحم راحم لأنه سبحانه من الحافظين كما كان من الراحمين وأما قوله ﴿ردت﴾ فإن فعل من المضاعف والمعتل العين يجيء على ثلاثة أوجه عندهم لغة فاشية وأخرى تليها وثالثها قليلة فأقوى اللغات في المضاعف ضم أوله كشد وعد ورد ثم يليه الإشمام وهو بين ضم الأول وكسره ثم قوله شد ورد بإخلاص الكسرة وهو الأقل وأقوى اللغات في المعتل العين كسر أوله نحو قيل وبيع ثم يليه الإشمام بين الضمة والكسرة والثالثة إخلاص الضمة نحو قول وبوع وأنشد لذي الرمة:

دنا البين من مي فردت جمالها

وهاج الهوى تقويضها واحتمالها

اللغة:

يقال كلت فلانا أي أعطيته الشيء كيلا واكتلت عليه أخذت منه والأمن اطمئنان القلب إلى سلامة الأمر يقال أمنه يأمنه أمنا والميرة الأطعمة التي تحمل من بلد إلى بلد ويقال مرتهم أميرهم ميرا إذا أتيتهم بالميرة ومثله امترتهم امتيارا قال:

بعثتك مائرا فمكثت حولا

متى يأتي غياثك من يغيث.

الإعراب:

قال الزجاج حفظا منصوب على التمييز و﴿حافظا﴾ على الحال ويجوز أن يكون ﴿حافظا﴾ على التمييز وما في قوله ﴿ما نبغي﴾ استفهام موضعه نصب والمعنى أي شيء تريد ويكون المراد به الجحد ويجوز أن يكون ما أيضا نفيا كأنهم قالوا ما نبغ شيئا وموضع أن يحاط بكم نصب والمعنى إلا الإحاطة بكم أي تمتنوا من الإتيان به إلا لهذا وهذا يسمى مفعولا له قال الزجاج وإلا هذه بمعنى تحقيق الجزاء تقول ما تأتينا إلا لأخذ الدراهم وإلا أن تأخذ الدراهم.

المعنى:

﴿فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل﴾ قيل أنهم لما دخلوا على يعقوب وسلموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم يا بني ما لكم تسلمون سلاما ضعيفا وما لي لا أسمع فيكم صوت شمعون فقالوا يا أبانا إنا جئناك من عند أعظم الناس ملكا ولم ير الناس مثله حكما وعلما وخشوعا وسكينة ووقارا ولئن كان لك شبيه فإنه يشبهك ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء إنه اتهمنا وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بابن يامين برسالة منك إليه ليخبره من حزنك وما الذي أحزنك وعن سرعة الشيب إليك وذهاب بصرك وقوله ﴿منع منا الكيل﴾ معناه منع منا فيما يستقبل إن لم نأته بأخينا لقوله فلا كيل لكم عندي ﴿فأرسل معنا أخانا﴾ ابن يامين ﴿نكتل﴾ أي نأخذ الطعام بالكيل إن أرسلته اكتلنا وإلا فمنعنا الكيل ومن قرأ يكتل بالياء فالمعنى يأخذ أخونا ابن يامين وقر بعير يكتال له ﴿وإنا له لحافظون﴾ من أن يصيبه سوء ومكروه ﴿قال﴾ يعقوب ﴿هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل﴾ أي لا آمنكم على ابن يامين في الذهاب به إلا كامني على يوسف ضمنتم لي حفظه ثم ضيعتموه أو أهلكتموه أو غيبتموه عني وإنما قرعهم بحديث يوسف وإلا فقد كان يعلم أنهم في هذه الحال لا يفعلون ما لا يجوز ﴿فالله خير حافظا﴾ أي حفظ الله خير من حفظكم ﴿وهو أرحم الراحمين﴾ يرحم ضعفي وكبر سني ويرده علي وورد في الخبر أن الله سبحانه قال فبعزتي لأردنهما إليك من بعد ما توكلت علي ﴿ولما فتحوا متاعهم﴾ يعني أوعية الطعام ﴿وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي﴾ أي ما نطلب في منع أخينا عنه وقيل معناه ما نطلب بما أخبرناك عن ملك مصر الكذب وقيل معناه أي شيء نطلب وراء هذا أوفى لنا الكيل ورد علينا الثمن عن قتادة وأراد أن تطيب نفس يعقوب فيبعث ابنه معهم وتم الكلام ثم قالوا ابتداء ﴿هذه بضاعتنا ردت إلينا﴾ أي فلا ينبغي أن نخاف على أخينا ممن قد أحسن إلينا هذا الإحسان وقيل المراد ما نريد منك دراهم تعطيناها نرجع بها إليه بل تكفينا في الرجوع إليه بضاعتنا هذه فإن الملك إذا فعلنا ما أمرنا به في أخينا يفي بما وعدنا وأرسله معنا ﴿ونمير أهلنا﴾ أي نجلب إليهم الطعام ﴿ونحفظ أخانا﴾ في السفر حتى نرده إليك ﴿ونزداد كيل بعير﴾ لأجله لأنه كان يكال لكل رجل وقر بعير ﴿ذلك كيل يسير﴾ أي ذلك كيل سهل أي يسهل على الذي يمضي إليه عن الزجاج والمعنى أنه هين على الملك لا يصعب عليه ولا يظهر في ماله وقيل معناه إن الذي جئناك به كيل قليل لا يقنعنا فنحتاج أن نضيف إليه كيل بعير أخينا عن الجبائي وقيل يسير على من يكتاله لا مئونة فيه ولا مشقة عن الحسن وهذا كله تنبيه منهم على وجه الصواب في إرساله معهم فلما رأى يعقوب (عليه السلام) رده البضاعة وتحقق عنه إكرام الملك إياهم وعزم على إرسال ابن يامين معهم ﴿قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله﴾ أي تعطونني ما يوثق به من يمين أو عهد من الله ﴿لتأتنني به﴾ أي لتردنه إلى قال ابن عباس يعني حق تحلفوا لي بحق محمد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسيد المرسلين أي لا تغدروا بأخيكم ولتأتنني به اللام فيه لجواب القسم ﴿إلا أن يحاط بكم﴾ أي إلا أن تهلكوا جميعا عن مجاهد وقيل إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك عن قتادة والمعنى إلا أن يحال بينكم وبينه حتى لا تقدروا على الإتيان به عن الزجاج ﴿فلما آتوه موثقهم﴾ أي أعطوه عهودهم وحلفوا له بحق محمد ومنزلته من ربه عن ابن عباس ﴿قال﴾ يعقوب ﴿الله على ما نقول وكيل﴾ أي شاهد حافظ إن أخلفتم انتصف لي منكم وفي هذا دلالة على وجوب التوكل على الله سبحانه في جميع المهمات والتفويض إليه في كل الأمور وفيها دلالة أيضا على أن يعقوب (عليه السلام) إنما أرسل ابن يامين معهم لأنه علم أنهم لما كبروا ندموا على ما كان فرط منهم في أمر يوسف ولم يصروا على ذلك ولهذا وثق بهم وإنما عيرهم بحديث يوسف حثا لهم على حفظ أخيهم.