الآيات 67-70

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿68﴾ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿69﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿70﴾

الإعراب:

جميعا نصب على الحال والعامل فيه محذوف وتقديره والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته فإذا ظرف زمان والعامل فيه قبضته وكان هاهنا تامة إذ لو كانت ناقصة لكان جميعا خبرها ولم يجز أن يكون حالا وهذا كما قالوا في أخطب ما يكون الأمير قائما أن التقدير إذا كان قائما أو إذ كان قائما وهذا بسرا أطيب منه تمرا أن التقدير هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان تمرا ومثله قول الشاعر:

إذا المرء أعيته المرؤة ناشئا

فمطلبها كهلا عليه شديد

أي إذا كان كهلا والمعنى والأرض في حال اجتماعها قبضته قال الإمام النحوي البصير قال أبو علي في الحجة إن التقدير والأرض ذات قبضته إذا كانت مجتمعة وقال في الحلبيات التقدير والأرض مقبوضة إذا كانت مجتمعة وقال فعلى التقدير الذي في الحجة لا يتأتى إعمال قبضته في إذا لأنه قدره ذات قبضته والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف وعلى التقدير في الحلبيات يتأتى إعمال قبضته في إذا لأنه بمعنى مفعول وأقول أن المضاف إليه إذا أقيم مقام المضاف بعد أن حذف المضاف جاز أن يعمل عمل المضاف كما أعرب بإعرابه فارتفع بعد أن كان مجرورا في الأصل فلما جاز أن يعمل المضاف فيما قبله جاز لما قام مقامه أن يعمل فيما قبله كما اكتسى إعرابه وكيف يجوز أن يستتم ما ذكره هذا الجامع للعلوم على مثل أبي علي مع أنه يشق الشعر في هذا الفن.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن أحوالهم فقال ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أي ما عظموا الله حق عظمته إذ عبدوا غيره وأمروا نبيه بعبادة غيره عن الحسن والسدي قال المبرد وأصله من قولك فلان عظيم القدر يريد بذلك جلالته والقدر اختصاص الشيء بعظم أو صغر أو مساواة وقيل معناه وما وصفوا الله حق وصفه إذ جحدوا البعث فوصفوه بأنه خلق الخلق عبثا وأنه عاجز عن الإعادة والبعث ﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة﴾ والقبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك أخبر سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الأرض كلها مع عظمها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه فيكون في قبضته وهذا تفهيم لنا على عادة التخاطب فيما بيننا لأنا نقول هذا في قبضة فلان وفي يد فلان إذا هان عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه وكذا قوله ﴿والسماوات مطويات بيمينه﴾ أي يطويها بقدرته كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار والتحقيق للملك كما قال أو ما ملكت أيمانكم أي ما كانت تحت قدرتكم إذ ليس الملك يختص باليمين دون الشمال وسائر الجسد وقيل معناه أنه محفوظات مصونات بقوته واليمين القوة كما في قول الشاعر:

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقاها عرابة باليمين

ثم نزه سبحانه نفسه عن شركهم فقال ﴿سبحانه وتعالى عما يشركون﴾ أي عما يضيفونه إليه من الشبيه والمثل ﴿ونفخ في الصور﴾ وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل ووجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف ثم تجديد الخلق فشبه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل والنزول ولا تتصوره النفوس بأحسن من هذه الطريقة وقيل أن الصور جمع صورة فكأنه نفخ في صورة الخلق عن قتادة وروي عنه أنه قرأ في الصور بفتح الواو ﴿فصعق من في السماوات ومن في الأرض﴾ أي يموت من شدة تلك الصيحة التي تخرج من الصور جميع من في السماوات والأرض يقال صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة ﴿إلا من شاء الله﴾ اختلف في المستثنى فقيل هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عن السدي وهو المروي عن حديث مرفوع وقيل هم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله عن سعيد بن جبير وعطا عن ابن عباس وأبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سأل جبرائيل عن هذه الآية من الذي لم يشأ الله أن يصعقهم قال هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش ﴿ثم نفخ فيه أخرى﴾ يعني نفخة البعث وهي النفخة الثانية وقال قتادة في حديث رفعه أن ما بين النفختين أربعين سنة وقيل إن الله تعالى يفني الأجسام كلها بعد الصعق وموت الخلق ثم يعيدها وقوله ﴿فإذا هم قيام﴾ إخبار عن سرعة إيجادهم لأنه سبحانه إذا نفخ النفخة الثانية أعادهم عقيب ذلك فيقومون من قبورهم أحياء ﴿ينظرون﴾ أي ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به ﴿وأشرقت الأرض بنور ربها﴾ أي أضاءت الأرض بعدل ربها يوم القيامة لأن نور الأرض بالعدل كما أن نور العلم بالعمل عن الحسن والسدي وقيل بنور يخلقه الله عز وجل يضيء به أرض القيامة من غير شمس ولا قمر ﴿ووضع الكتاب﴾ أي كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة على بني آدم توضع في أيديهم ليقرءوا منها أعمالهم والكتاب اسم جنس فيؤدي معنى الجمع أي يوضع كتاب كل إنسان في يمينه أو شماله ﴿وجيء بالنبيين والشهداء﴾ أي يعطى بهم والشهداء هم الذين يشهدون للأنبياء على الأمم بأنهم قد بلغوا وإن الأمم قد كذبوا عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقيل هم الذين استشهدوا في سبيل الله عن السدي وقيل هم عدول الآخرة يشهدون على الأمم بما شاهدوا عن الجبائي وأبي مسلم وهذا كما جرت العادة بأن القضاء يكون بمشهد الشهداء والعدول وقيل هم الحفظة من الملائكة ويدل عليه قوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد وقيل هم جميع الشهداء من الجوارح والمكان والزمان ﴿وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون﴾ أي يفصل بينهم بمر الحق لا ينقص أحد منهم شيئا مما يستحقه من الثواب ولا يفعل به ما لا يستحقه من العقاب ﴿ووفيت كل نفس ما عملت﴾ أي يعطي كل نفس عاملة بالطاعات جزاء ما عملته على الوفاء والكمال دون النقصان ﴿وهو أعلم بما يفعلون﴾ أي والله سبحانه أعلم من كل أحد بما يفعلونه من طاعة أو معصية ولم يأمر الملائكة بكتبة الأعمال لحاجة إلى ذلك بل لزيادة تأكيد وليعلموا أنه يجازيهم بحسب ما عملوا.

النظم:

اتصل قوله ﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة﴾ بقوله ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أي ما عظموه حق عظمته إذ عبدوا معه غيره مع اقتداره على السماوات والأرض.