الآيات 58-62

وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴿58﴾ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴿59﴾ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴿60﴾ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿61﴾ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿62﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ﴿لفتيانه﴾ والباقون لفتيته.

الحجة:

قال أبو علي الفتية جمع فتى في العدد القليل والفتيان في الكثير ومثل فتية إخوة وولدة في جمع أخ وولد ونيرة وقيعة في جمع نار وقاع ومثل فتيان برقان وخربان في جمع برق وخرب وجيران وتيجان في جمع جار وتاج وقد يقوم البناء الذي للقليل مقام الذي للكثير وكذلك يقوم الكثير مقام القليل حيث لا قلب ولا إعلال وذلك نحو أرجل وأقدام وأرسان وفي الكثير قولهم ثلاثة شسوع فإذا فعل ذلك فيما لا إعلال فيه فأن يرفض فيما يؤدي إلى الإعلال والقلب أولى.

اللغة:

جهاز البيت متاعه وجهزت فلانا هيأت جهاز سفره ومنه جهاز المرأة والرحال أراد به الأوعية واحدها رحل وجمعها القليل أرحل قال ابن الأنباري يقال للوعاء رحل وللمسكن رحل وأصله الشيء المعد للرحيل من وعاء المتاع ومركب البعير وحلس ورسن.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه أنه لما تمكن يوسف بمصر وأصاب الناس ما أصابهم من القحط وقصدوا مصر نزل ب آل يعقوب ما نزل بالناس فجمع يعقوب بنيه وقال لهم بلغني أنه يباع الطعام بمصر وأن صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه فإنه سيحسن إليكم إن شاء الله فتجهزوا وساروا حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فذلك قوله ﴿وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون﴾ أي جاءوا ليمتاروا من مصر كما أمتار غيرهم ودخلوا عليه وهم عشرة وأمسك ابن يامين أخا يوسف لأمه فعرفهم يوسف وأنكروه قال ابن عباس وكان بين أن قذفوه في الجب وبين أن دخلوا عليه أربعين سنة فلذلك أنكروه ولأنهم رأوه ملكا جالسا على السرير عليه ثياب الملوك ولم يكن يخطر ببالهم أنه يصير إلى تلك الحالة وكان يوسف ينتظر قدومهم عليه فكان أثبت لهم فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية قال لهم من أنتم وما أمركم فإني أنكر شأنكم وفي تفسير علي بن إبراهيم فلما جهزهم وأعطاهم وأحسن إليهم في الكيل قال لهم من أنتم قالوا نحن قوم من أرض الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم عيون جئتم تنظرون عورة بلادي فقالوا لا والله ما نحن بجواسيس وإنما نحن إخوة بنو أب واحد وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ولو تعلم بأبينا لكرمنا عليك فإنه نبي الله وابن أنبيائه وإنه لمحزون قال وما الذي أحزنه فلعل حزنه إنما كان من قبل سفهكم وجهلكم قالوا يا أيها الملك لسنا بسفهاء ولا جهال ولا أتاه الحزن من قبلنا ولكنه كان له ابن كان أصغرنا سنا وأنه خرج يوما معنا إلى الصيد فأكله الذئب فلم يزل بعده حزينا كئيبا باكيا فقال لهم يوسف كلكم من أب وأم قالوا أبونا واحد وأمهاتنا شتى قال فما حمل أباكم على أن سرحكم كلكم ألا حبس واحدا منكم يستأنس به قالوا قد فعل حبس منا واحدا وهو أصغرنا سنا لأنه أخو الذي هلك من أمه فأبونا يتسلى به قال فمن يعلم أن الذي تقولونه حق قالوا يا أيها الملك إنا ببلاد لا يعرفنا أحد فقال يوسف فائتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين وأنا أرضى بذلك قالوا إن أبانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه قال فدعوا عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وقيل أن يوسف اختار شمعون لأنه كان أحسنهم رأيا فيه فخلفوه عنده فذلك قوله ﴿ولما جهزهم بجهازهم﴾ يعني حمل لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم ﴿قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم﴾ يعني ابن يامين ﴿ألا ترون إني أوف الكيل﴾ أي لا أبخس الناس شيئا وأتم لهم كيلهم ﴿وأنا خير المنزلين﴾ أي المضيفين مأخوذ من النزل وهو الطعام وقيل خير المنزلين للأمور منازلها فتدخل فيه الضيافة وغيرها مأخوذ من المنزل وهو الدار ﴿فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي﴾ أي ليس لكم عندي طعام أكيله عليكم والمراد بالكيل المكيل ﴿و لا تقربون﴾ أي ولا تقربوا داري وبلادي خلط (عليه السلام) الوعد بالوعيد ﴿قالوا سنراود عنه أباه﴾ أي نطلبه ونسأله أن يرسله معنا قال ابن عباس معناه نستخدعه عنه حتى يخرجه معنا ﴿وإنا لفاعلون﴾ ما أمرتنا به قال وكان يوسف أمر ترجمانا يعرف العبرانية أن يكلمهم وكان لا يكلمهم بنفسه ليشبه عليه فإنهم لو عرفوه ربما كانوا يهيمون في الأرض حياء من أبيهم فيتركون خدمته وكان في معرفتهم إياه مفسدة ﴿وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم﴾ أي قال يوسف لعبيدة وغلمانه الذين يكيلون الطعام عن قتادة وغيره وقيل لأعوانه اجعلوا ثمن طعامهم وما كانوا جاءوا به في أوعيتهم وقيل كانت بضاعتهم النعال والأدم وقيل كانت الورق عن قتادة ﴿لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم﴾ أي لعلهم يعرفون متاعهم إذا رجعوا إلى أهلهم ﴿لعلهم يرجعون﴾ بعد ذلك لطلب الميرة مرة أخرى وإنما فعل ذلك ليعرفوا أن يوسف إنما فعل ذلك إكراما لهم ليرجعوا إليه وقيل أنه خاف أن لا يكون عندهم من الورق ما يرجعون به مرة أخرى عن الكلبي وقيل أنه رأى لؤما أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه فرده عليهم من حيث لا يعلمون تفضلا وكرما وقيل فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم وأمانتهم تحملهم على رد بضاعتهم إذا وجدوها في رحالهم ولا يعرفون أن الملك أمر بذلك فيرجعون ليردوا ذلك عليه ومتى قيل كيف لم يعرفهم يوسف نفسه مع علمه بشدة حزن أبيه وقلقه واحتراقه على ألم فراقه فالجواب أنه لم يؤذن له في التعريف استتماما للمحنة عليه وعلى يعقوب ولما علم الله تعالى من الحكمة والصلاح في تشديد البلية تعريضا للمنزلة السنية وقيل إنما لم يعرفهم بنفسه لأنهم لو عرفوه ربما لم يرجعوا إليه ولم يحملوا أخاه إليه والأول هو الوجه الصحيح.