الآيات 61-66

وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿61﴾ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿62﴾ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿63﴾ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴿64﴾ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿65﴾ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ﴿66﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير حفص بمفازاتهم والباقون ﴿بمفازتهم﴾ وقرأ أهل المدينة تأمروني خفيفة النون مفتوحة الياء وقرأ ابن عامر تأمرونني بنونين ساكنة الياء وقرأ ابن كثير تأمروني مشددة النون مفتوحة الياء والباقون ﴿تأمروني﴾ مشددة النون ساكنة الياء وقرأ زيد عن يعقوب لنحبطن عملك والباقون و﴿ليحبطن عملك﴾.

الحجة:

قال أبو علي حجة الإفراد أن المفازة والفوز واحد فأفراد المفازة كأفراد الفوز وحجة الجمع أن المصادر قد تجمع إذا اختلفت أجناسها ومثله في الإفراد والجمع على مكانتكم ومكاناتكم وقوله ﴿أفغير الله تأمروني أعبد﴾ غير ينتصب على وجهين (أحدهما) أعبد غير الله فيما تأمرونني (والآخر) أن ينتصب بتأمرونني أي أتأمرونني بعبادة غير الله فلما حذف أن ارتفع أعبد فصارت أن وصلتها في موضع نصب ولا يجوز انتصاب غير بأعبد على هذا لأنه في تقدير الصلة فلا يعمل فيما تقدم عليه فموضع أعبد وأن المضمرة نصب على تقدير البدل من غير كأنه قال أبعبادة غير الله تأمروني إلا أن الجار حذف كما حذف من قوله أمرتك الخير وصار التقدير بعد الحذف أغير الله تأمروني عبادته فأضمر المفعول الثاني للأمر والمفعول الأول علامة المتكلم وأن أعبد بدل من غير ومثل هذا في البدل قوله وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره أي ما أنساني ذكره إلا الشيطان وأقول في بيانه وشرحه أن تقديره كان في الأصل أفبعبادة غير الله تأمرونني ثم حذف الجار الذي هو الباء فوصل الفعل فنصبه فصار أفبعبادة غير الله تأمرونني ثم حذف المضاف الذي هو عبادة وأقيم المضاف إليه الذي هو غير مقامه فصار أفغير الله تأمرونني ثم جعل أعبد الذي تقديره أن أعبده وهو في معنى عبادته بدلا من غير الله وبيانا للمحذوف الذي هو عبادة في قوله أفبعبادة غير الله فصار مثل قوله تعالى ﴿وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره﴾ ومن قال أن قوله ﴿أعبد﴾ في موضع نصب على الحال فلا وجه لقوله وأما على الوجه الأول وهو أن يكون غير الله منصوبا بأعبد فإنه يكون تأمرني اعتراضا بين العامل والمعمول.

رجعنا إلى كلام أبي علي فأما تأمروني فالقياس تأمرونني ويدغم فيصير تأمروني وجاز الإدغام وإسكان النون المدغمة لأن قبلها حرف لين وهو الواو في تأمرونني ومن خفف فقال تأمروني ينبغي أن يكون حذف النون الثانية المصاحبة لعلامة المنصوب المتكلم لأنها قد حذفت في مواضع نحو:

يسوء الفاليات إذا فليني وإني وكأني وقدي وقدني وإنما قدرنا حذف الثانية لأن التكرير والتثقيل به وقع ولأن حذف الأولى لحن لأنها دلالة الرفع وعلى هذا يحمل قول الشاعر:

أبالموت الذي لا بد أني

ملاق لا أباك تخوفيني

وفتح الياء من تأمروني وإسكانها جميعا سائغ حسن.

المعنى:

لما أخبر الله سبحانه عن حال الكفار عقبه بذكر حال الأتقياء الأبرار فقال ﴿وينجي الله الذين اتقوا﴾ معاصيه خوفا من عقابه ﴿بمفازتهم﴾ أي بمنجاتهم من النار وأصل المفازة المنجاة وبذلك سميت المفازة على وجه التفاؤل بالنجاة منها كما سموا اللديغ سليما ﴿لا يمسهم السوء﴾ أي لا يصيبهم المكروه والشدة ﴿ولا هم يحزنون﴾ على ما فاتهم من لذات الدنيا ولما ذكر الوعد والوعيد بين سبحانه أنه القادر على كل شيء بقوله ﴿الله خالق كل شيء﴾ أي محدث كل شيء ومبدعه ﴿وهو على كل شيء وكيل﴾ أي حافظ مدبر ﴿له مقاليد السماوات والأرض﴾ واحدها مقليد ومقلاد يريد مفاتيح السماوات والأرض بالرزق والرحمة عن ابن عباس وقتادة وقيل خزائن السماوات والأرض يفتح الرزق على من يشاء ويغلقه عمن يشاء عن الضحاك ﴿والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون﴾ لأنهم يخسرون الجنة ونعيمها ويصلون النار وسعيرها ثم أعلم سبحانه أنه المعبود لا معبود سواه بقوله ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿أفغير الله تأمروني أعبد﴾ أي أتأمرونني أن أعبد غير الله ﴿أيها الجاهلون﴾ فيما تأمرونني به إذ تأمرون بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ولقد أوحي إليك﴾ يا محمد ﴿وإلى الذين من قبلك﴾ من الأنبياء والرسل ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾ قال ابن عباس هذا أدب عن الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتهديد لغيره لأن الله تعالى قد عصمه من الشرك ومداهنة الكفار وليس في هذا ما يدل على صحة القول بالإحباط على ما يذهب إليه أهل الوعيد لأن المعنى فيه أن من أشرك في عبادة الله غيره من الأصنام وغيرها وقعت عبادته على وجه لا يستحق عليها الثواب به ولذلك وصفها بأنها محبطة إذ لو كانت العبادة خالصة لوجه الله تعالى لاستحق عليها الثواب ثم أمر سبحانه بالتوحيد فقال ﴿بل الله فاعبد﴾ أي وجه عبادتك إليه تعالى وحده دون الأصنام ﴿وكن من الشاكرين﴾ الذين يشكرون الله على نعمه ويخلصون العبادة له قال الزجاج الله منصوب بقوله ﴿فاعبد﴾ في قول البصريين والكوفيين والفاء جاءت على معنى المجازاة والمعنى قد تبينت فاعبد الله.