الآيات 56-60
أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿56﴾ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿57﴾ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿58﴾ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿59﴾ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴿60﴾
القراءة:
قرأ أبو جعفر يا حسرتاي بياء مفتوحة بعد الألف والباقون ﴿يا حسرتا﴾ بغير ياء.
الحجة:
قال ابن جني في قوله يا حسرتاي إشكال وذلك أن الألف في حسرتا إنما هي بدل من يا حسرتي أبدلت الياء ألفا هربا إلى خفة الألف من ثقل الياء قال والذي عندي فيه أنه جمع بين العوض والمعوض عنه كمذهب أبي إسحاق وأبي بكر في قول الفرزدق:
هما نفثا في في من فمويهما
على النابح العاوي أشد رجام
فجمع بين الميم والواو وإنما الميم بدل من الواو ومثله ما أنشده أبو زيد:
إني إذا ما حدث ألما
أقول يا اللهم يا اللهما
فجمع بين ياء وميم وإنما الميم عوض من ياء.
اللغة:
التفريط إهمال ما يجب أن يتقدم فيه حتى يفوت وقته ومثله التقصير وضده الأخذ بالحزم يقال فلان حازم وفلان مفرط والتحسر الاغتمام مما فأت وقته لانحساره عنه بما لا يمكنه استدراكه ومثله التأسف وأصل الباب الانقطاع يقال انحسرت الدابة أي انقطع سيرها كلالا والجنب العضو المعروف والجنب أيضا معظم الشيء وأكثره يقال هذا قليل في جنب مودتك ويقال ما فعلت في جنب حاجتي أي في أمره قال كثير:
ألا تتقين الله في جنب عاشق
له كبد حري عليك تقطع
الإعراب:
﴿بلى قد جاءتك﴾ جواب قوله ﴿أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين﴾ لأن معناه ما هداني فقيل لها بلى قد جاءتك آياتي لأن بلى جواب النفي وليس في الظاهر نفي فيحمل على المعنى.
﴿وجوههم مسودة﴾ مبتدأ وخبر والجملة في موضع نصب على الحال واستغني عن الواو لمكان الضمير ويجوز في غير القرآن وجوههم بالنصب على البدل من ﴿الذين كذبوا﴾ أي ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة بالنصب ومثل النصب قول عدي بن زيد:
دعيني إن أمرك لن يطاعا
وما ألفيتني حلمي مضاعا
المعنى:
لما أمر الله سبحانه باتباع الطاعات واجتناب المقبحات تحذيرا من نزول العقوبات بين الغرض في ذلك بقوله ﴿أن تقول نفس﴾ أي خوف أن تقول أو حذرا من أن تقول والمعنى كراهة أن تصيروا إلى حال تقولون فيها ﴿يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله﴾ أي يا ندامتي على ما ضيعت من ثواب الله عن ابن عباس وقيل قصرت في أمر الله عن مجاهد والسدي وقيل في طاعة الله عن الحسن قال الفراء الجنب القرب أي في قرب الله وجواره يقال فلان يعيش في جنب فلان أي في قربه وجواره ومنه قوله تعالى والصاحب بالجنب فيكون المعنى على هذا القول على ما فرطت في طلب جنب الله أي في طلب جواره وقربه وهو الجنة وقال الزجاج أي فرطت في الطريق الذي هو طريق الله فيكون الجنب بمعنى الجانب أي قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله وروى العياشي بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال نحن جنب الله ﴿وإن كنت لمن الساخرين﴾ أي وإني كنت لمن المستهزءين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن وبالمؤمنين في دار الدنيا عن قتادة والسدي وقيل من الساخرين ممن يدعوني إلى الإيمان ﴿أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين﴾ أي فعلنا ذلك كراهة أن تقول لو أراد الله هدايتي لكنت ممن يتقي معاصيه خوفا من عقابه وقيل إنهم لما لم ينظروا في الأدلة وأعرضوا عن القرآن واشتغلوا بالدنيا والأباطيل توهموا أن الله تعالى لم يهدهم فقالوا ذلك بالظن ولهذا رد الله عليهم بقوله ﴿بلى قد جاءتك آياتي﴾ الآية وقيل معناه لو أن الله هداني إلى النجاة بأن يردني إلى حال التكليف لكنت ممن يتقي المعاصي عن الجبائي قال لأنهم يضطرون يوم القيامة إلى العلم بأن الله قد هداهم ﴿أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين﴾ أي لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأكون من الموحدين المطيعين ثم قال سبحانه منكرا على هذا القائل ﴿بلى﴾ أي ليس كما قلت ﴿قد جاءتك آياتي﴾ أي حججي ودلالاتي ﴿فكذبت بها﴾ وأنفت من اتباعها وذلك قوله ﴿واستكبرت وكنت من الكافرين﴾ بها وإنما قال جاءتك وإن كانت النفس مؤنثة لأن المراد بالنفس هنا الإنسان وروي في الشواذ عن عاصم والجحدري ويحيى بن يعمر بكسر الكاف والتاءات ﴿بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين﴾ ﴿ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله﴾ فزعموا أن له شريكا وولدا ﴿وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين﴾ الذين تكبروا عن الإيمان بالله هذا استفهام تقرير أي فيها مثواهم ومقامهم وروى العياشي بإسناده عن خيثمة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من حدث عنا بحديث فنحن سائلوه عنه يوما فإن صدق علينا فإنما يصدق على الله وعلى رسوله وإن كذب علينا فإنما يكذب على الله وعلى رسوله لأنا إذا حدثنا لا نقول قال فلان وقال فلان إنما نقول قال الله وقال رسوله ثم تلا هذه الآية ﴿ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله﴾ الآية ثم أشار خيثمة إلى أذنيه فقال صمتا إن لم أكن سمعته وعن سودة بن كليب قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية فقال كل إمام انتحل إمامة ليست له من الله قلت وإن كان علويا قال (عليه السلام) وإن كان علويا قلت وإن كان فاطميا قال وإن كان فاطميا.