الآيات 50-53

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴿50﴾ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿51﴾ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴿52﴾ وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿53﴾

القراءة:

قرأ ما بال النسوة بضم النون الأعشى والبرجمي عن أبي بكر عن عاصم والباقون بكسر النون وهما لغتان وقد تقدم ذكر قراءة أبي عمرو حاشا لله بالألف ومر بيانه.

اللغة:

الخطب الأمر الذي يعظم شأنه فيخاطب الإنسان فيه صاحبه يقال هذا خطب جليل قال الزجاج حصحص الحق اشتقاقه من الحصة أي بانت حصة الحق وجهته من حصة الباطل وقال غيره هو مكرر من قولهم حص شعره إذا استأصل قطعه وأزاله عن الرأس فيكون معناه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه ومثله كبوا وكبكبوا وكف الدمع وكفكفه فهو زيادة تضعيف دل عليه الاشتقاق قال:

قد حصت البيضة رأسي فما

أطعم يوما غير تهجاع وحصحص البعير بثفناته في الأرض إذا حرك حتى تستبين آثارها فيه قال حميد:

وحصحص في صم الحصى ثفناته

ورام القيامة ساعة ثم صمما والكيد الاحتيال سرا لإيصال الضرر إلى الغير.

الإعراب:

ذلك مرفوع بالابتداء وإن شئت على خبر الابتداء كأنه قال أمري ذلك وموضع ﴿ما رحم ربي﴾ نصب على الاستثناء.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن إخراج يوسف من السجن فقال ﴿وقال الملك ائتوني به﴾ وفي الكلام حذف يدل ظاهره عليه وهو فلما رجع صاحب الشراب وهو رسول الملك إلى الملك بجواب يوسف وتعبيره رؤياه ﴿قال الملك ائتوني به﴾ أي بيوسف الذي عبر رؤياي ﴿فلما جاءه الرسول﴾ أي لما جاء يوسف رسول الملك فقال له أجب الملك أبى يوسف أن يخرج مع الرسول حتى تبين براءته مما قذف به و﴿قال﴾ للرسول ﴿ارجع إلى ربك﴾ أي سيدك وهو الملك ﴿فسأله ما بال النسوة﴾ أي ما حالهن وما شأنهن والمعنى فاسأل الملك أن يتعرف حال النسوة ﴿اللاتي قطعن أيديهن﴾ ليعلم صحة براءتي ولم يفرد امرأة العزيز بالذكر حسن عشرة منه ورعاية أدب لكونها زوجة الملك أو زوجة خليفة الملك فخلطها بالنسوة وقيل أنه أرادهن دونها لأنهن الشاهدات له عليها ألا ترى أنها قالت الآن حصحص الحق وهذا يدل على أن النسوة كن ادعين عليه نحو ما ادعته امرأة العزيز قال ابن عباس لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه ما زالت في نفس العزيز منه حالة يقول هذا الذي راود امرأتي وقيل أشفق يوسف من أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره متهم بفاحشة فأحب أن يراه بعد أن يزول عن قلبه ما كان فيه وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني من السجن ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب وما ابتغيت العذر إنه كان لحليما ذا أناة ﴿إن ربي بكيدهن عليم﴾ أي إن الله عالم بكيدهن قادر على إظهار براءتي وقال إن سيدي الذي هو العزيز عليم بكيدهن استشهده فيما علم من حاله عن أبي مسلم والأول هو الوجه ﴿قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه﴾ معناه أن الرسول رجع إلى الملك وأخبره بما قاله يوسف (عليه السلام) فأرسل إلى النسوة ودعاهن وقال لهن ما شأنكن وما أمركن إذا طلبتن يوسف عن نفسه ودعوتنه إلى أنفسكن ﴿قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء﴾ هذه كلمة تنزيه أي نزهن يوسف مما اتهم به فقلن معاذ الله وعياذا بالله من هذا الأمر وما علمنا عليه من سوء وخيانة وما فعل شيئا مما نسب إليه واعترفن ببراءته وبأنه حبس مظلوما ﴿قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق﴾ أي ظهر وتبين وحصل على أمكن وجوهه عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وكان معناه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه ﴿أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين﴾ في قوله هي راودتني عن نفسي اعترفت بالكذب على نفسها فيما اتهم يوسف به وإنما حملها على الصدق انقطاع طمعها منه فجمع الله ليوسف في إظهار براءته ونزاهته عما قذف به بين الشهادة والإقرار حتى لا يبقى موضع شك ﴿ذلك ليعلم﴾ هذا من كلام يوسف أي ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك إليه في شأن النسوة ليعلم الملك أو العزيز ﴿أني لم أخنه بالغيب﴾ في زوجته أي في حال غيبته عني عن الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وأبي مسلم واتصل كلام يوسف بكلام امرأة العزيز لظهور الدلالة على المعنى ونظيره قوله تعالى وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وقوله يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره وهو من كلام الملأ ثم قال فما ذا تأمرون وهو حكاية عن قول فرعون قال الفراء وهذا من أغمض ما يأتي في الكلام أن يحكي عن واحد ثم يعدل إلى شيء آخر من قول آخر لم يجر له ذكر وقيل بل هو من كلام امرأة العزيز أي ذلك الإقرار ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته بتوريك الذنب عليه وإن خنته بحضرته وعند مشاهدته عن الجبائي ﴿وأن الله لا يهدي كيد الخائنين﴾ أي لا يهديهم في كيدهم ومكرهم ﴿وما أبرىء نفسي﴾ هذا من كلام يوسف عند أكثر المفسرين وقيل بل هو من كلام امرأة العزيز عن الجبائي أي ما أبرىء نفسي عن السوء والخيانة في أمر يوسف ﴿إن النفس لأمارة بالسوء﴾ أي كثيرة الأمر بالسوء والشهوة قد تدعو الإنسان إلى المعصية والألف واللام للجنس فيكون المعنى أن كل النفوس كذلك ويجوز أن يكون للعهد فيكون المعنى أن نفسي بهذه الصفة ﴿إلا ما رحم ربي﴾ أي إلا من رحمه الله تعالى فعصمه بأن لطف له فيكون ما بمعنى من كقوله ما طاب لكم ويجوز أن يكون معناه إلا مدة ما عصم ربي ومن قال إنه من كلام يوسف قال إنه أراد الدعاء والمنازعة والشهوة ولم يرد العزم على المعصية أي لا أبرىء نفسي مما لا تعرى منه طباع البشر وإنما امتنعت عن الفاحشة بحول الله ولطفه وهدايته لا بنفسي قال الحسن إنما قال وما أبرىء نفسي لأنه كره أن يكون قد زكى نفسه ﴿إن ربي غفور﴾ بعباده ﴿رحيم﴾ بهم.