الآيات 41-45

إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴿41﴾ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿42﴾ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ﴿43﴾ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿44﴾ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿45﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير عاصم وقتيبة قضي بالضم الموت بالرفع والباقون ﴿قضى﴾ بالفتح ﴿الموت﴾ بالنصب.

الحجة:

قال أبو علي حجة من بنى الفعل للفاعل قوله ﴿ويرسل الأخرى﴾ فكما أن هذا مبني للفاعل فكذلك حكم الذي عطف عليه ومن بنى الفعل للمفعول به فهو في المعنى مثل بناء الفعل للفاعل والأول أبين.

اللغة:

التوفي قبض الشيء على الإيفاء والإتمام يقال توفيت حقي من فلان واستوفيته بمعنى والاشمئزاز الانقباض والنفور عن الشيء قال عمرو بن كلثوم:

إذا عض الثقاف بها اشمأزت

وولتهم عشوزنة زبونا

وروى ثعلب عن ابن الأعرابي الشمز نفور الشيء من الشيء يكرهه.

المعنى:

ثم بين سبحانه تحقيق وعيده بالعذاب المقيم بأن قال ﴿إنا أنزلنا عليك الكتاب﴾ يعني القرآن ﴿للناس﴾ أي لجميع الخلق عن ابن عباس ﴿بالحق﴾ أي ليس فيه شيء من الباطل وقيل بالحق معناه بأنه الحق أو على أنه الحق الذي يجب النظر في موجبه ومقتضاه فما صححه وجب تصحيحه وما أفسده وجب إفساده وما رغب فيه وجب العمل به وما حذر منه وجب اجتنابه وما دعا إليه فهو الرشد وما صرف عنه فهو الغي ﴿فمن اهتدى﴾ بما فيه من الأدلة ﴿فلنفسه﴾ لأن النفع في عاقبته يعود إليه ﴿ومن ضل﴾ عنه وحاد ﴿فإنما يضل عليها﴾ أي على نفسه لأن مضرة عاقبته من العقاب تعود عليه ﴿وما أنت﴾ يا محمد ﴿عليهم بوكيل﴾ أي برقيب في إيصال الحق إلى قلوبهم وحفظه عليهم حتى لا يتركوه ولا ينصرفوا عنه إذ لا تقدر على إكراههم على الإسلام وقيل بكفيل يلزمك إيمانهم فإنما عليك البلاغ ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾ أي يقبضها إليه وقت موتها وانقضاء آجالها والمعنى حين مرت أبدانها وأجسادها على حذف المضاف ﴿والتي لم تمت في منامها﴾ أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز وهي التي تفارق النائم فلا يعقل والتي تتوفى عند الموت هي نفس الحياة التي إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس فالفرق بين قبض النوم وقبض الموت أن قبض النوم يضاد اليقظة وقبض الموت يضاد الحياة وقبض النوم يكون الروح معه في البدن وقبض الموت يخرج الروح معه من البدن ﴿فيمسك التي قضى عليها الموت﴾ إلى يوم القيامة لا تعود إلى الدنيا ﴿ويرسل الأخرى﴾ يعني الأنفس الأخرى التي لم يقض على موتها يريد نفس النائم ﴿إلى أجل مسمى﴾ قد سمي لموته ﴿إن في ذلك لآيات﴾ أي دلالات واضحات على توحيد الله وكمال قدرته ﴿لقوم يتفكرون﴾ في الأدلة إذ لا يقدر على قبض النفوس تارة بالنوم وتارة بالموت غير الله تعالى قال ابن عباس في بني آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك فإذا نام قبض الله نفسه ولم يقبض روحه وإذا مات قبض الله نفسه وروحه ويؤيده ما رواه العياشي بالإسناد عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن ثابت أبي المقدام عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ما من أحد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سبب كشعاع الشمس فإن أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح النفس وإذا أذن الله في رد الروح أجابت النفس الروح وهو قوله سبحانه ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾ الآية فمهما رأت في ملكوت السماوات فهو مما له تأويل وما رأت فيما بين السماء والأرض فهو مما يخيله الشيطان ولا تأويل له ﴿أم اتخذوا﴾ أي بل اتخذوا ﴿من دون الله﴾ آلهة ﴿شفعاء قل﴾ يا محمد ﴿أولو كانوا﴾ يعني الآلهة ﴿لا يملكون شيئا﴾ من الشفاعة ﴿ولا يعقلون﴾ وجواب هذا الاستفهام محذوف تقديره أو لو كانوا بهذه الصفة يتخذونهم شفعاء ويعبدونهم راجين شفاعتهم ثم قال ﴿قل﴾ لهم ﴿لله الشفاعة جميعا﴾ أي لا يشفع أحد إلا بإذنه عن مجاهد والمعنى لا يملك أحد الشفاعة إلا بتمليكه كما قال من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وفي هذا إبطال الشفاعة لمن ادعيت له الشفاعة من الآلهة ﴿له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون﴾ مضى معناه ثم أخبر سبحانه عن سوء اعتقادهم وشدة عنادهم فقال ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت﴾ أي نفرت عن السدي والضحاك والجبائي وقيل انقبضت عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل وقيل كفرت واستكبرت عن قتادة ﴿قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ كان المشركون إذا سمعوا قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له نفروا من هذا لأنهم كانوا يقولون الأصنام آلهة ﴿وإذا ذكر الذين من دونه﴾ يعني الأصنام التي عبدوها من دونه ﴿إذا هم يستبشرون﴾ يفرحون ويسرون حتى يظهر السرور في وجوههم.

النظم:

اتصل قوله ﴿الله يتوفى الأنفس﴾ بقوله ﴿وما أنت عليهم بوكيل﴾ فبين سبحانه أن الحفيظ عليهم هو الذي يتوفاهم ويصرفهم كيف يشاء وقيل يتصل بقوله أليس الله بكاف عبده أي من كان هذه صفته فإنه يكفيك أمرهم واتصل قوله ﴿أم اتخذوا من دون الله شفعاء﴾ بقوله أليس الله بكاف عبده أي فكما أن أصنامهم لا تملك الضر والنفع فإنها لا تملك الشفاعة.