الآيات 1-5

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴿1﴾ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ﴿2﴾ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿3﴾ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿4﴾ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴿5﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة والشام عالم الغيب بالرفع وقرأ حمزة والكسائي علام الغيب بالجر واللام قبل الألف والباقون ﴿عالم الغيب﴾ بالجر وقرأ ابن كثير وحفص ويعقوب من رجز أليم هنا وفي الجاثية أيضا بالرفع والباقون بالجر.

الحجة:

قال أبو علي الجر على قوله الحمد لله عالم الغيب وقال غيره عالم الغيب بالجر صفة لقوله ﴿وربي﴾ أو بدل منه فأما الرفع فيجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف تقديره هو عالم الغيب وأن يكون ابتداء وخبره لا يعزب وعلام أبلغ من عالم والرجز العذاب بدلالة قوله لئن كشفت عنا الرجز وأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء فإذا كان العذاب يوصف باليم كما أنه نفس العذاب جاز أن يوصف به والجر في أليم أبين لأنه إذا كان عذاب من عذاب أليم كان العذاب الأول أليما وإذا جرى الأليم على العذاب كان المعنى عذاب أليم من عذاب والأول أكثر فائدة.

اللغة:

الحمد هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم ونقيضه الذم وهو الوصف بالقبيح على جهة التحقير ثم ينقسم فمنه ما هو أعلى ومنه ما هو أدنى والأعلى ما يقع على وجه العبادة ولا يستحقها إلا الله سبحانه لأن إحسان الله عز اسمه لا يوازيه إحسان أحد من المخلوقين ويستحق الحمد على الإحسان والإنعام فلا يستحق أحد من المخلوقين مثل ما يستحقه سبحانه والولوج الدخول والعروج الصعود والمعارج الدرج من هذا وعزب عنه يعزب ويعزب إذا بعد وفي الحديث من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب أي بعد عهده بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوته.

الإعراب:

﴿ليجزي الذين آمنوا﴾ يتعلق بقوله ﴿لا يعزب﴾.

المعنى:

﴿الحمد لله﴾ معناه قولوا الحمد لله وهو تعريف لوجوب الشكر على نعم الله سبحانه وتعليم لكيفية الشكر ﴿الذي له ما في السموات وما في الأرض﴾ أي الذي يملك التصرف في جميع ما في السماوات وجميع ما في الأرض ليس لأحد الاعتراض عليه ولا منعه ﴿وله الحمد في الآخرة﴾ أي هو المستحق للحمد على أفعاله الحسنى في الدارين لكونه منعما فيهما والآخرة وإن كانت ليست بدار تكليف فلا يسقط فيها الحمد والاعتراف بنعم الله تعالى بل العباد ملجئون إلى ذلك لمعرفتهم الضروري بنعم الله عليهم من الثواب والعوض وضروب التفضل ومن حمد أهل الجنة قولهم الحمد لله الذي هدانا لهذا والحمد لله الذي صدقنا وعده وقيل إنما يحمده أهل الجنة لا على جهة التعبد لكن على جهة السرور والتلذذ بالحمد ولا يكون بالحمد عليهم فيه تعب ولا مشقة وقيل يحمده أهل الجنة على نعمه وفضله ويحمده أهل النار على عدله ﴿وهو الحكيم﴾ في جميع أفعاله لأنها كلها واقعة على وجه الحكمة ﴿الخبير﴾ بجميع المعلومات ﴿يعلم ما يلج في الأرض﴾ أي ما يدخل فيها من مطر وكنز أو ميت ﴿وما يخرج منها﴾ من زرع ونبات أو جواهر أو حيوان ﴿وما ينزل من السماء﴾ من مطر أو رزق أو ملك ﴿وما يعرج﴾ أي يصعد ﴿فيها﴾ من الملائكة وأعمال العباد فهو يجري جميع ذلك على تقدير تقتضيه الحكمة وتدبير توجبه المصلحة ﴿وهو الرحيم﴾ بعباده مع علمه بما يعملون من المعاصي فلا يعاجلهم بالعقوبة ويمهلهم للتوبة ﴿الغفور﴾ أي الساتر عليهم ذنوبهم في الدنيا المتجاوز عنها في العقبي كما قال ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴿وقال الذين كفروا﴾ يعني منكري البعث والنشور ﴿لا تأتينا الساعة﴾ يعني القيامة ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿بلى وربي﴾ أي وحق الله ربي الذي خلقني وأوجدني ﴿لتأتينكم﴾ القيامة ﴿عالم الغيب﴾ يعمل كل شيء يغيب عن العباد علمه ﴿لا يعزب عنه﴾ أي لا يفوته ﴿مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض﴾ بل هو عالم بجميع ذلك ﴿ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين﴾ يعني اللوح المحفوظ وقد مضى هذا مفسرا في سورة يونس كذب الله سبحانه في هذه الآية الكفار الجاحدة للبعث وبين أن القيامة آتية كائنة لا محالة وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يحلف على ذلك تأكيدا له ثم مدح نفسه بأنه يعلم ما غاب عن العباد علمه مما هو كائن أو سيكون ولم يوجد بعد ثم قال ﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي إنما أثبت ذلك في الكتاب المبين ليكافئهم بما يستحقونه من الثواب على صالح أعمالهم ﴿أولئك لهم مغفرة﴾ لذنوبهم وستر لها ولهم مع ذلك ﴿رزق كريم﴾ أي هنيء لا تنغيص فيه ولا تكدير وقيل هو الجنة عن قتادة ﴿والذين سعوا في آياتنا معاجزين﴾ أي والذين عملوا بجهدهم وجدهم في إبطال حججنا وفي تزهيد الناس عن قبولها مقدرين إعجاز ربهم وظانين أنهم يفوتونه وقيل معاجزين مسابقين ومعجزين ومثبطين وقد مضى تفسير هذه الآية في سورة الحج ﴿أولئك لهم عذاب من رجز﴾ أي سيء العذاب عن قتادة ﴿أليم﴾ أي مؤلم.

النظم:

وجه اتصال قوله ﴿عالم الغيب﴾ بما قبله أنه سبحانه لما حكى عن المشركين ما يضاد الإقرار له بالربوبية والاعتراف بالنعمة من إنكار القيامة ذكر بعده أن من يعلم أفعال العباد وما يستحقونه من الجزاء لو لم يجعل دارا أخرى يجازي فيها المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته وينتصف للمظلوم من الظالم كان ذلك خروجا عن موجب الحكمة.