الآيات 1-5

تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿1﴾ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴿2﴾ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴿3﴾ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿4﴾ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴿5﴾

اللغة:

التكوير طرح الشيء بعضه على بعض يقال كرر المتاع إذا ألقى بعضه على بعض ومنه كور العمامة.

الإعراب:

تنزيل مبتدأ وخبره من الله أي تنزيل الكتاب من الله لا من غيره كما تقول استقامة الناس من الأنبياء أي أنها لا تكون إلا منهم ويجوز أن يكون ﴿تنزيل الكتاب﴾ خبر مبتدأ محذوف والتقدير هذا تنزيل الكتاب فعلى هذا يجوز أن يكون من الله خبرا بعد خبر ويجوز أن يكون في موضع نصب لأنه يتعلق بتنزيل.

بالحق مفعول أنزلنا ويجوز أن يكون في موضع الحال والتقدير أنزلنا الكتاب محقين أو محقا فيكون ذو الحال نا من أنزلنا أو الكتاب.

زلفى في موضع نصب على المصدر والتقدير ليقربونا قربى والتقدير يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا فيكون يقولون خبر الذين اتخذوا لأنه مبتدأ أو يكون حالا من الضمير في اتخذوا ويكون الخبر قوله ﴿إن الله يحكم بينهم﴾ يكور يحتمل أن يكون حالا ويحتمل أن يكون استئناف كلام فلا يكون له محل.

المعنى:

عظم الله سبحانه أمر القرآن وحث المكلفين على القيام بما فيه واتباع أوامره ونواهيه بأن قال ﴿تنزيل الكتاب من الله العزيز﴾ المتعال عن المثل والشبه﴿الحكيم﴾ في أفعاله وأقواله فوصف هنا نفسه بالعزة تحذيرا من مخالفة كتابه وبالحكمة إعلاما بأنه يحفظه حتى يصل إلى المكلفين من غير تغيير لشيء منه ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق﴾ أي لم ننزله باطلا بغير غرض وقيل معناه بالأمر الحق أي بالدين الصحيح ﴿فاعبد الله﴾ أي توجه بعبادتك إلى الله وحده ﴿مخلصا له الدين﴾ من شرك الأوثان والأصنام والإخلاص أن يقصد العبد بنيته وعمله إلى خالقه لا يجعل ذلك لغرض الدنيا ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ والخالص هو الذي لا يشوبه الرياء والسمعة ولا وجه من وجوه الدنيا والدين الخالص الإسلام عن الحسن وقيل هو شهادة أن لا إله إلا الله عن قتادة وقيل معناه إلا لله الطاعة بالعبادة التي يستحق بها الجزاء فهذا لله وحده لا يجوز أن يكون لغيره وقيل هو الاعتقاد الواجب في التوحيد والعدل والنبوة والشرائع والإقرار بها والعمل بموجبها والبراءة من كل دين سواها فهذا تفصيل قول الحسن أنه الإسلام ﴿والذين اتخذوا من دونه أولياء﴾ أي زعموا أن لهم من دون الله مالكا يملكهم وهاهنا حذف يدل الكلام عليه أي يقولون ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ أي ليشفعوا لنا إلى الله والزلفى القربى وهو اسم أقيم مقام المصدر ﴿إن الله يحكم بينهم﴾ يوم القيامة ﴿فيما هم فيه يختلفون﴾ من أمور الدين فيعاقب كلا منهم على قدر استحقاقه ﴿إن الله لا يهدي﴾ إلى طريق الجنة أو لا يحكم بهدايته إلى الحق ﴿من هو كاذب﴾ على الله وعلى رسوله ﴿كفار﴾ بما أنعم الله عليه جاحد لإخلاص العبادة لله ولم يرد به الهداية إلى الإيمان لقوله سبحانه وأما ثمود فهديناهم ﴿لو أراد الله أن يتخذ ولدا﴾ على ما يقوله هؤلاء من أن الملائكة بنات الله أو ما يقوله النصارى من أن المسيح ابن الله أو اليهود أن عزيرا ابن الله ﴿لاصطفى﴾ أي لاختار ﴿مما يخلق ما يشاء﴾ أي ما كان يتخذ الولد باختيارهم حتى يضيفوا إليه من شاءوا بل كان يختص من خلقه ما يشاء لذلك لأنه غير ممنوع من مراده ومثله قوله ﴿لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا﴾ ثم أخبر سبحانه أنه منزه عن اتخاذ الأولاد بقوله ﴿سبحانه﴾ أي تنزيها له عن ذلك ﴿هو الله الواحد﴾ لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ﴿القهار﴾ لخلقه بالموت وهو حي لا يموت ثم نبه سبحانه على كمال قدرته فقال ﴿خلق السماوات والأرض بالحق﴾ أي لم يخلقهما باطلا لغير غرض بل خلقهما للغرض الحكمي ﴿يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل﴾ أي يدخل كل واحد منهما على صاحبه بالزيادة والنقصان فما يزيد في أحدهما ينقص من الآخر عن الحسن وجماعة من المفسرين وقيل يغشى هذا هذا كما قال يغشي الليل النهار ويولج الليل في النهار عن قتادة ﴿وسخر الشمس والقمر﴾ بأن أجراهما على وتيرة واحدة ﴿كل يجري لأجل مسمى﴾ أي إلى مدة قدرها الله لهما أن يجريا إليها وقيل إلى قيام الساعة وقيل لأجل مسمى أي لوقت معلوم في الشتاء والصيف هو المطلع والمغرب لكل واحد منهما ﴿ألا هو العزيز الغفار﴾ مر معناه وفائدة الآية أن من قدر على خلق السماوات والأرض وتسخير الشمس والقمر وإدخال الليل في النهار فهو منزه عن اتخاذ الولد والشريك فإن ذلك من صفة المحتاجين.