الآيات 25-29

وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿25﴾ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴿26﴾ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ ﴿27﴾ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴿29﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة ابن يعمر وابن أبي إسحاق ونوح القارىء من قبل ومن دبر بثلاث ضمات من غير تنوين.

الحجة:

قال ابن جني ينبغي أن يكونا غايتين كقوله تعالى لله الأمر من قبل ومن بعد كأنه يريد وقدت قميصه من دبره وإن كان قميصه قد من قبله فلما حذف المضاف إليه أعني الهاء وهي مرادة صار المضاف غاية بعد ما كان المضاف إليه غاية له.

اللغة:

القد شق الشيء طولا مثل قد الأديم يقال قده يقده قدا فهو مقدود إذا كان ذاهبا في الطول على استواء وفي الحديث كانت ضربات علي بن أبي طالب (عليه السلام) أبكارا كان إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط والقد بكسر القاف السير المقطوع طولا والإلفاء المصادفة قال ذو الرمة:

ومطعم الصيد هبال لبغيته

ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب أي وجد أباه والكيد طلب الشيء بما يكرهه كما طلبت المرأة يوسف بما يكرهه ويأباه والخطيئة العدول عما تدعو إليه الحكمة إلى ما تزجر عنه ويقال لصاحبه خطأ يخطأ خطأ فهو خاطىء إذا وقع ذلك منه عن قصد فإن وقع من غير قصد قيل أخطأ المقصد فهو مخطىء فأصل الخطإ العدول عن الغرض الحكمي بقصد أو غير قصد قال أمية:

عبادك يخطئون وأنت رب

بكفيك المنايا والحتوم.

الإعراب:

إنما عطف قوله ﴿عذاب أليم﴾ على الفعل لأن تقديره إلا السجن أو عذاب ومن في قوله ﴿قد من دبر﴾ و﴿من قبل﴾ لابتداء الغاية لأن ابتداء القد كان منها ومن في قوله ﴿من الكاذبين﴾ للتبعيض لأنه بعض الكاذبين ولم يقل وشهد شاهد أنه إن كان لأنه ذهب مذهب القول في الحكاية كما أن قوله يوصيكم الله في أولادكم كذلك والتقدير يوصيكم الله أن المال للذكر مثل حظ الأنثيين وقوله ﴿إن كان قميصه﴾ قال أبو العباس المبرد معناه إن يكن وجاز ذلك في كان لأنها أم الباب كما جاز في التعجب ما كان أحسن زيدا ولم يجز ما أصبح أحسنه وقال أبو بكر السراج أن يكن بمعنى أن يصبح قد قميصه من دبر وقوله ﴿فلما رءا﴾ الرؤية هاهنا تحتمل أمرين (أحدهما) أن تكون بمعنى رؤية العين فلا تكون رؤية العين رؤية للقد ويكون قوله ﴿قد من دبر﴾ في موضع الحال وإنما يكون رؤية للقميص (والآخر) أن يكون بمعنى العلم وتكون رؤية للقد وإنما قال من الخاطئين ولم يقل من الخاطئات لتغليب المذكر على المؤنث.

المعنى:

﴿واستبقا الباب﴾ يعني تبادرا الباب أي طلب كل واحد من يوسف وامرأة العزيز السبق إلى الباب أما يوسف فإنه كان يقصد أن يهرب منها ومن ركوب الفاحشة وأما هي فإنما كانت تطلب يوسف لتقضي حاجتها منه وتقصد أن تغلق الباب وتمنعه من الخروج وتراوده ثانيا عن نفسه ﴿وقدت قميصه من دبر﴾ أي لحقت يوسف فجذبت قميصه وشقته طولا من خلفه لأن يوسف كان هاربا وهي تعدو من خلفه وقيل إن يوسف رأى الأبواب قد انفتحت فعلم أن الصواب هو الخروج فخرج هاربا وقيل بل أخذ بفتح الأبواب وأدركته فتعلقت بقميصه من خلفه فشقته ﴿وألفيا سيدها لدى الباب﴾ أي فلما خرجا وجدا زوجها عند الباب وسماه سيدها لأنه مالك أمرها ﴿قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم﴾ يعني أن المرأة سبقت بالكلام لتورك الذنب على يوسف فقالت لزوجها ليس جزاء من أراد بأهلك خيانة إلا أن يسجن أو أن يضرب بالسياط ضربا وجيعا عن ابن عباس قالوا ولو صدق حبها لم تقل ذلك ولآثرته على نفسها ولكن حبها إياه كان شهوة ﴿قال هي راودتني عن نفسي﴾ لما ذكرت المرأة ذلك لم يجد يوسف بدا من تنزيه نفسه بالصدق ولو كفت عن الكذب عليه لكف (عليه السلام) عن الصدق عليها فقال هي التي طالبتني بالسوء الذي نسبتني إليه ﴿وشهد شاهد من أهلها﴾ قال ابن عباس وسعيد بن جبير أنه صبي في المهد وقيل كان الصبي ابن أخت زليخا وهو ابن ثلاثة أشهر وروي عن ابن عباس أيضا في رواية أخرى وعن الحسن وقتادة وعكرمة أنه شهد رجل حكيم من أهلها بتبرئة يوسف واختاره الجبائي قال لو كان طفلا لكان قوله معجزا لا يحتاج معه إلى البيان وقيل كان الرجل ابن عم زليخا وكان جالسا مع زوجها عند الباب عن السدي ﴿إن كان قميصه قد﴾ أي شق ﴿من قبل فصدقت﴾ المرأة ﴿وهو من الكاذبين﴾ فيما قال يعني يوسف لأنه كان هو القاصد وهي الدافعة ﴿وإن كان قميصه قد من دبر﴾ أي من خلف ﴿فكذبت﴾ المرأة ﴿وهو﴾ أي يوسف ﴿من الصادقين﴾ لأنه الهارب وهي الطالبة وهذا أمر ظاهر واستدلال صحيح ﴿فلما رءا قميصه قد من دبر﴾ أي فلما رأى زوجها قميص شق من خلف عرف خيانة المرأة ف ﴿قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم﴾ وقيل هو من قول الشاهد وإنما وصف كيدهن بالعظم لأنها حين فاجأت زوجها عند الباب لم يدخلها دهش ولم تتحير في أمرها ووركت الذنب على يوسف (عليه السلام) ولأن قليل حيل النساء أسبق إلى قلوب الرجال من كثير حيل الرجال ﴿يوسف أعرض عن هذا﴾ يعني أن الشاهد قال ليوسف يا يوسف أمسك عن هذا الحديث أي عن ذكرها حتى لا يفشو في البلد عن ابن عباس وقيل إنما قاله زوجها وقيل معناه لا تلتفت يا يوسف إلى هذا الحديث ولا تذكره على سبيل طلب البراءة فقد ظهرت براءتك عن أبي مسلم والجبائي ثم أقبل على زليخا فقال ﴿واستغفري لذنبك﴾ أي سلي زوجك أن لا يعاقبك على ذنبك ﴿إنك كنت من الخاطئين﴾ أي من المذنبين وقيل إنه لم يكن غيورا سلبه الله الغيرة لطفا منه بيوسف حتى كفى شره ولذلك قال ليوسف أعرض عن هذا واقتصر على هذا القدر وقيل معناه استغفري الله من ذنبك وتوبي إليه فإن الذنب كان منك لا من يوسف فإنهم كانوا يعبدون الله تعالى مع عبادتهم الأصنام.