الآيات 21-22

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴿21﴾ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿22﴾

اللغة:

الثواء الإقامة والمثوى موضع الإقامة والإكرام إعطاء المراد على جهة الإعظام وهو يتعاظم فأعلاه منزلة ما يستحق بالنبوة وأدناه ما يستحق بخصلة من الطاعات وأشد جمع لا واحد له وقيل هو واحد وإن كان على وزن الجمع فهو مثل الآنك وهو الرصاص وقيل أنه جمع واحده شد كما أن واحد الأشر شر قال الشاعر:

هل غير أن كثر الأشر وأهلكت

حرب الملوك أكاثر الأموال.

الإعراب:

مصر لا ينصرف لأنه مؤنث معرفة و﴿أن ينفعنا﴾ في موضع رفع لكونه فاعل عسى وعسى هذه تامة لأنها تمت بفاعلها واللام في قوله ﴿ولنعلمه﴾ محمولة على تقدير دبرنا ذلك لنمكنه ولنعلمه.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن حال يوسف بعد أن بيع فقال ﴿وقال الذي اشتراه﴾ أي اشترى يوسف ﴿من مصر﴾ أي من أهل مصر ﴿لامرأته أكرمي مثواه﴾ أي مقام يوسف وموضع نزوله أي هيئي له موضعا كريما شريفا وتقدير الآية فحملوه إلى مصر وباعوه وحذف ذلك للدلالة عليه وكان المشتري خازن فرعون مصر وخليفته وصاحب جنوده واسمه قطفير وكان لا يأتي النساء وقيل أن اسمه أظفير وكان يلقب بالعزيز ومن كان بمكانه يسمى بالعزيز ومن يسمى بالعزيز ممن لم يكن بمكانه نزع لسانه فلما عبر يوسف رؤيا الملك سمي العزيز وجعل مكان العزيز وكان باعه مالك بن زعر منه بأربعين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين عن ابن عباس وقيل أنه عرضه على البيع في سوق مصر فتزايدوا حتى بلغ ثمنه وزنه ورقا ومسكا وحريرا عن وهب فاشتراه العزيز بهذا الثمن وقال لامرأته راعيل ولقبها زليخا ﴿أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا﴾ أي عسى أن نبيعه فنربح على ثمنه ﴿أو نتخذه ولدا﴾ فإنه لا ولد لنا وإنما قال ذلك لما رأى على يوسف من الجمال والعقل والهداية في الأمور وعلى هذا فالعزيز هو خازن الملك وخليفته والملك هو الريان بن الوليد رجل من العماليق وقيل أن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ثم مات ويوسف بعده حي فملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى أن يقبل وقال ابن عباس العزيز ملك مصر وكذلك هو في حديث علي بن الحسين (عليهما السلام) ﴿وكذلك مكنا ليوسف في الأرض﴾ أي كما أنعمنا على يوسف بالسلامة والخروج من الجب مكناه في الأرض بأن عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى صار بذلك متمكنا من الأمر والنهي في الأرض التي كان يستولي عليها الملك وهي أرض مصر ﴿ولنعلمه من تأويل الأحاديث﴾ وقد مضى معناه في أول السورة ﴿والله غالب على أمره﴾ أي على أمر يوسف يحفظه ويرزقه حتى يبلغه ما قدر له من الملك والنبوة ولا يكله إلى غيره وقيل معناه والله غالب على أمر نفسه لا يعجزه شيء من تدابيره وأفعاله فهو الفاعل لما يشاء كيف يشاء ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ إن الله غالب على أمر نفسه أو أمر يوسف وقيل معناه لا يعلمون ما يصنع الله بيوسف وما يؤول إليه حاله ﴿ولما بلغ﴾ يوسف ﴿أشده﴾ أي منتهى شبابه وقوته وكمال عقله وقيل الأشد من ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة عن ابن عباس وقيل أن أقصى الأشد أربعون سنة وقيل ستون سنة وهو قول الأكثرين ويؤيده الحديث من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه وقيل أن ابتداء الأشد من ثلاث وثلاثين سنة عن مجاهد وكثير من المفسرين وقيل من عشرين سنة عن الضحاك ﴿آتيناه حكما﴾ أي أعطيناه القول الفصل الذي يدعو إلى الحكمة ﴿وعلما﴾ وهو تبيين الشيء على ما هو به بما يحل في القلب عن علي بن عيسى وقيل الحكم النبوة والعلم الشريعة عن ابن عباس وقيل الحكم الدعاء إلى دين الله والعلم علم الشرع وقيل أراد الحكم بين الناس والعلم بوجوه المصالح فإن الناس كانوا إذا تحاكموا على العزيز أمره بأن يحكم بينهم لما رأى من عقله وأصابته في الرأي وقيل هو العلم والعمل به وهو الحكم ﴿وكذلك نجزي المحسنين﴾ أي مثل ما جزينا يوسف بصبره نجزي كل من أحسن أي فعل الأفعال الحسنة من الطاعات وقيل أن المحسنين الصابرون على النوائب عن الضحاك وقيل هم المؤمنون عن ابن عباس وقيل أراد محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي كما فعلنا بيوسف وأعطيناه الملك بعد مقاساته البلاء والشدة كذلك نفعل بك يا محمد عن ابن جريج.