الآيات 11-12

قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴿11﴾ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿12﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر والحلواني عن قالون لا تأمنا مشددة النون بلا شمة وقرأ الباقون بالإشمام وهو الإشارة إلى النون المدغمة بالضمة وهو اختيار أبي عبيدة وقرأ أبو جعفر ونافع يرتع ويلعب بالياء فيهما وكسر العين من يرتع وقرأ ابن كثير نرتع ونلعب بالنون فيهما وكسر العين وقرأ أبو عمرو وابن عامر نرتع ونلعب بالنون فيهما وجزم العين وقرأ أهل الكوفة ورويس عن يعقوب ﴿يرتع ويلعب﴾ بالياء فيهما وجزم العين وقرأ روح وزيد عن يعقوب نرتع بالنون وجزم العين ﴿ويلعب﴾ بالياء وقد روي ذلك عن أبي عمرو وهو قراءة الأعرج وإبراهيم النخعي وفي الشواذ قراءة العلاء بن سيابة يرتع بالياء وكسر العين رفعا وقراءة أبي رجا يرتع ويلعب.

الحجة:

قال الزجاج يجوز في ﴿تأمنا﴾ أربعة أوجه إشمام النون مع الإدغام.

الضم وهو الذي حكاه ابن مجاهد عن الفراء والإشعار بالضمة والإدغام من غير إشمام لأن الحرفين من جنس واحد و﴿تأمننا﴾ بالإظهار ورفع النون الأولى لأن النونين من كلمتين و﴿تئمنا﴾ بكسر التاء لأن ماضيه على فعل كما قالوا تعلم ونعلم وهي قراءة يحيى بن وثاب وهذه القراءة مخالفة للمصحف وإن كانت في العربية جائزة وأما قوله نرتع ويلعب فقد قال أبو علي قراءة من قرأ نرتع بالنون وكسر العين و﴿يلعب﴾ بالياء حسن لأنه جعل الارتعاء والقيام على المال لمن بلغ وجاوز الصغر وأسند اللعب إلى يوسف لصغره ولا لوم على الصغير في اللعب والدليل على صغر يوسف قول إخوته ﴿وإنا له لحافظون﴾ ولو كان كبيرا لم يحتج إلى حفظهم ويدل على ذلك قول يعقوب وأخاف أن يأكله الذئب وإنما يخاف الذئب على من لا دفاع به من شيخ كبير أو من صبي صغير قال:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به

وحدي وأخشى الرياح والمطرا وأما الارتعاء فهو افتعال من رعيت مثل شويت واشتويت وكل واحد منهما متعد إلى مفعول به قال الأعشى:

ترتعي السفح فالكثيب فذا قار

فروض القطا فذات الرمال وقال آخر:

رعت بأرض البهمي جميما وبسرة

وصمعاء حتى آنفتها نصالها وقد يستقيم أن يقال نرتع وإنما ترتع إبلهم فيما قال أبو عبيدة ووجه ذلك أنه كان الأصل يرتع إبلنا ثم حذف المضاف وأسند الفعل إلى المتكلمين فصار نرتع وكذلك نرتعي على يرتعي إبلنا ثم حذف المضاف فيكون نرتع وقال أبو عبيدة نرتع نلهو وقد تكون هذه الكلمة على غير معنى اللهو ولكن على معنى النيل من الشيء كقولهم في المثل الصيد والرتعة وكان على هذا النيل والتناول مما يحتاج إليه الحيوان وقد قال الأعشى:

صدر النهار يراعي ثيرة رتعا

وعلى هذا القول قالوا رأيت مرتع إبلك لمرادها الذي فيه فهذا لا يكون على اللهو لأنه جمع ثور راتع أو رتوع فأما من قرأ نرتع ونلعب بالنون فيكون نرتع على يرتع إبلنا أو على أننا ننال مما يحتاج إليه وينال معنا وأما نلعب فحكي أن أبا عمرو قيل له كيف يقولون نلعب وهم أنبياء فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء فلو صحت هذه الحكاية عنه وصح عنده هذا التاريخ وإلا فقد قال الشاعر:

جدت جداد بلاعب وتقشعت

غمرات قالت ليته حيران فكان اللاعب هاهنا الذي لم يتشمر في أهله فدخله بعض الهوينا فهذا أسهل من الوجه الذي قوبل به الحق وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لجابر فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك فهذا كأنه يتشاغل بمباح وتنفس وجمام من الجد وقد روي عن بعض السلف أنه كان إذا أكثر النظر في مسائل الفقه قال احمضوا فليس هذا اللعب كاللعب في قوله ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب﴾ وأما من قرأ بالياء فيهما فإن كان يرتع من اللهو كما فسره أبو عبيدة فلا يمتنع أن يخبر به عن يوسف لصغره كما لا يمتنع أن ينسب إليه اللعب لذلك وإن كان يرتع من النيل من الشيء فذلك لا يمتنع عليه أيضا فوجههما بين وهذا أبين من قول من قال ونلعب بالنون لأنهم سألوا إرساله ليتنفس بلعبه ولم يسألوا إرساله ليلعبوا هم وأما من قرأ ﴿ويلعب﴾ بالرفع فإنه جعله استئنافا أي هو ممن يلعب كقولك زرني أحسن إليك أي أنا ممن يحسن إليك وأما من قرأ ﴿ويرتع﴾ فمعناه يرتع إبله فحذف المفعول كما قال الحطيئة:

منعمة تصون إليك منها

كصونك من رداء شرعبي أي تصون الحديث وقال الشنفري:

كان لها في الأرض نسيا تقصه

على أمها وإن تكلمك تبلت أي تقطع حديثها خفرا وحياء.

المعنى:

ثم بين سبحانه أنهم عند اتفاق آرائهم فيما تأمروا فيه من أمر يوسف كيف سألوا أباهم ف ﴿قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف﴾ أي ما لك لا تثق بنا ولا تعتمدنا في أمر يوسف ﴿وإنا له لناصحون﴾ أي مخلصون في إرادة الخير به وفي هذا دلالة على أنه (عليه السلام) كان يأبى عليهم أن يرسله معهم ﴿أرسله معنا غدا﴾ أي إلى الصحراء نرتع ونلعب الجزم على جواب الأمر والمعنى أن ترسله معنا نرتع ونلعب أي نذهب ونجيء وننشط ونلهو عن الكلبي والضحاك وقيل نتحافظ فيحفظ بعضنا بعضنا ونلهو عن مجاهد وقيل نرعى ونتصرف والرتع هو التردد يمينا وشمالا عن ابن زيد وأرادوا به اللعب المباح مثل الرمي والاستباق بالأقدام وقد روي أن كل لعب حرام إلا ثلاثة لعب الرجل بقوسه وفرسه وأهله ﴿وإنا له﴾ أي ليوسف ﴿لحافظون﴾ أي نحفظه لنرده إليك وقيل نحفظه في حال لعبة وقال مقاتل هاهنا تقديم وتأخير وذلك إن إخوة يوسف قالوا له أرسله فقال أبوهم ﴿إني ليحزنني أن تذهبوا به﴾ الآية فحينئذ قالوا ﴿يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون﴾ وإذا صح الكلام من غير تقديم وتأخير فلا معنى لحمله عليه قال الحسن جعل يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وكان في البلاد إلى أن وصل إليه أبوه ثمانين سنة ولبث بعد الاجتماع ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة وقيل أنه كان ليوسف يوم ألقي في الجب عشر سنين وقيل كان له اثنتا عشرة سنة وقيل كان ابن سبع سنين أو تسع وجمع بينه وبين أبيه وهو ابن أربعين سنة عن ابن عباس وغيره وفي الآيات دلالة على ظهور حسدهم ليوسف لأنه كان يحرسه منهم ويمنعه عن الخروج معهم ولا يأمنهم عليه.