الآيات 7-10

لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴿7﴾ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴿8﴾ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴿9﴾ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿10﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير آية للسائلين والباقون ﴿آيات﴾ وقرأ أهل المدينة غيابات الجب والباقون ﴿غيابة الجب﴾ وفي الشواذ قراءة الأعرج غيابات مشددة وقراءة الحسن غيبة الجب وقرأ أهل المدينة والكسائي مبين اقتلوا بضم التنوين والباقون بالكسر.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ آية على الإفراد جعل شأنه كله آية ويقويه قوله وجعلنا ابن مريم وأمه آية فكل واحد منهما على انفراده يجوز أن يقال فيه آية فأفرد مع ذلك ومن جمع جعل كل حال من أحواله آية على أن المفرد المنكر في الإيجاب يقع دالا على الكثرة كما يقع كذلك في غير الإيجاب قال الشاعر:

فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم

جزاء العطاش لا ينام من الثأر وأما الغيابة فكل شيء غيب شيئا عن أبي عبيدة وأنشد:

فإن أنا يوما غيبتني غيابة

فسيروا بسيري في العشيرة والأهل والجب الركية التي لم تطو فمن أفرد فالوجه فيه أن الجب لا يخلو من أن يكون له غيابة واحدة أو غيابات وغيابة المفرد يجوز أن يعني به الجمع كما يعني به الواحد ومن جمع فإنه يجوز أن يكون له غيابة واحدة فجعل كل جزء منها غيابة كقولهم شابت مفارقة وبئر ذو غيابتين ويجوز أن يكون للبئر عدة غيابات فجمع لذلك وأما غيابات بالتشديد فيكون اسما جاء على فعالة كما جاء التيار للموج والفياد للبوم الذكر والفخار للخزف وغير ذلك وأما غيبة فيجوز أن يكون حدثا على فعلة من غاب فيكون بمعنى الظلمة ويجوز أن يكون موضعا على فعلة وأما من ضم التنوين فلأنه التقى الساكنان التنوين والقاف في اقتلوا ولزم تحريك الأول منهما فحركه بالضم ليتبع الضمة الضم كما قيل سر ومد ومن كسر التنوين فإنه لم يتبع الضم كما أن من قال مد لم يتبع وكسر الساكن على ما يجري عليه أمر تحريك الساكن في الأمر الشائع.

اللغة:

الآية والعلامة والعبرة نظائر والعصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض ويقع على جماعة من عشرة إلى خمس عشر وقيل ما بين العشرة إلى الأربعين ولا واحد له من لفظه كالقوم والرهط والنفر والفرق بين المحبة والشهوة إن الإنسان يحب ولده ولا يشتهيه بأن يميل طبعه إليه ويرق عليه ويريد له الخير والشهوة منازعة النفس إلى ما فيه اللذة وإنما سمي البئر جبا لأنه قطع عنها ترابها حتى بلغ الماء من غير طي ومنه المجبوب قال الأعشى:

وإن كنت في جب ثمانين قامة

ورقيت أسباب السماء بسلم وكل ما غيب شيئا عن الحس بكونه فيه فهو غيابة فغيابة البئر شبه لحف أو طاق فوق ما البئر والسيارة الجماعة المسافرون لأنهم يسيرون في البلاد وقيل هم مارة الطريق والالتقاط تناول الشيء من الطريق ومنه اللقطة واللقيط ومعناه أن يجده من غير أن يحسبه يقال وردت الماء التقاطا إذا وردته من غير أن تحسبه.

الإعراب:

العامل في قوله ﴿إذ قالوا﴾ اذكر وتقديره اذكر إذ قالوا ليوسف ويحتمل أن يكون العامل فيه ما في الآية التي قبله من قوله ﴿لقد كان في يوسف وإخوته آيات﴾ إذ قالوا واللام في قوله ﴿ليوسف﴾ جواب القسم تقديره والله ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ، ﴿يخل لكم﴾ جواب الأمر و﴿تكونوا﴾ جزم لأنه معطوف عليه وروي عن الحسن تلتقطه بعض السيارة بالتاء وهذا كما يقال أذهبت بعض أصابعه وقال الشاعر:

طول الليالي أسرعت في نقضي

طوين طولي وطوين عرضي فقال أسرعت وطوين لتأنيث الليالي ولم يحمله على طول وهو مذكر.

المعنى:

ثم أنشأ سبحانه في ذكر قصة يوسف فقال ﴿لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين﴾ ومعناه لقد كان في حديث يوسف وإخوته عبر للسائلين عنهم وأعاجيب فمنها أنهم نالوه بالأذى ودبروا في قتله واجتمعوا على إلقائه في البئر للحسد مع أنهم أولاد الأنبياء فصفح عنهم (عليهم السلام) لما مكنه الله منهم وأحسن إليهم ولم يعيرهم بما كان منهم وهذا خارج عن العادة وفيه عبرة لمن اعتبر فيها في منافع الدين ومنها الفرج بعد الشدة والمنحة بعد المحنة ومنها الدلالة على صحة نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه (عليه السلام) لم يقرأ كتابا فعلم أنه لم يأته ذلك إلا من جهة الوحي فهو بصيرة للذين سألوه أن يخبرهم بذلك ومعجزة دالة على صدقه وإخوته هم أولاد يعقوب وكان ليعقوب اثنا عشر ولدا لصلبه وكانوا أولاد علة عن الجبائي وقيل أسماؤهم روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوي ويهودا وريالون ويشجر وأمهم ليا بنت ليان وهي ابنة خالة يعقوب ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وقيل ابن يامين وولد له من سريتين له اسم إحداهما زلفة والأخرى بلهة أربعة بنين دان ونفتالي وحاد وآشر وكانوا اثني عشر ثم أخبر سبحانه عما قالت إخوة يوسف حين سمعوا منام يوسف وتأويل يعقوب إياه فقال ﴿إذ قالوا﴾ أي قال بعضهم لبعض ﴿ليوسف وأخوه﴾ لأبيه وأمه بنيامين ﴿أحب إلى أبينا﴾ يعقوب ﴿منا﴾ وذلك أن يعقوب (عليه السلام) كان شديد الحب ليوسف وكان يوسف من أحسن الناس وجها وكان يعقوب يؤثره على أولاده فحسدوه ثم رأى الرؤيا فصار حسدهم له أشد وقيل إنه (عليه السلام) كان يرحمه وآخاه ويقربهما لصغرهما فاستثقلوا ذلك وروي أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين (عليه السلام) أن يعقوب كان يذبح كل يوم كبشا فيتصدق به ويأكل هو وعياله منه وأن سائلا مؤمنا صواما اعتر ببابه عشية جمعة عند أوان إفطاره وكان مجتازا غريبا فهتف على بابه واستطعمهم وهم يسمعون فلم يصدقوا قوله فلما يئس أن يطعموه وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعة إلى الله تعالى وبات طاويا وأصبح صائما صابرا حامدا لله وبات يعقوب وآل يعقوب بطانا وأصبحوا وعندهم فضله من طعامهم فابتلاه الله سبحانه بيوسف (عليه السلام) وأوحي إليه أن استعد لبلائي وارض بقضائي واصبر للمصائب فرأى يوسف الرؤيا في تلك الليلة والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة وروي ذلك عن ابن عباس أو قريب منه ﴿ونحن عصبة﴾ معناه ونحن جماعة يتعصب بعضنا لبعض ويعين بعضنا بعضا أي فنحن أنفع لأبينا وقيل يعني ونحن عصبة لا يعجزنا الاحتيال عليه ﴿إن أبانا لفي ضلال مبين﴾ أي في ذهاب عن طريق الصواب الذي هو التعديل بيننا في المحبة وقيل معناه أنه في خطإ من الرأي في أمور الأولاد والتدبير الدنيوي ونحن أقوم بأمور مواشيه وأمواله وسائر أعماله ولم يريدوا به الضلال عن الدين لأنهم لو أرادوا ذلك لكانوا كفارا وذلك خلاف الإجماع ولأنهم بالاتفاق كانوا على دينه وكانوا يعظمونه غاية التعظيم ولذلك طلبوا محبته وأصل الضلال العدول وكل من ذهب عن شيء وعدل عنه فقد ضل وأكثر المفسرين على أن إخوة يوسف كانوا أنبياء وقال بعضهم لم يكونوا أنبياء لأن الأنبياء لا يقع منهم القبائح وقال المرتضى قدس الله روحه لم يقم لنا الحجة بأن إخوة يوسف الذين فعلوا ما فعلوه كانوا أنبياء ولا يمتنع أن يكون الأسباط الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الإخوة الذين فعلوا بيوسف ما قصة الله تعالى عنهم وليس في ظاهر الكتاب أن جميع إخوة يوسف وسائر الأسباط فعلوا بيوسف ما حكاه الله من الكيد وقيل يجوز أن يكون هؤلاء الإخوة في تلك الحال لم يكونوا بلغوا الحلم ولا توجه إليهم التكليف وقد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الأفعال ويعاتب على ذلك ويلام ويضرب وهذا الوجه قول البلخي والجبائي ويدل عليه قوله نرتع ونلعب وروى أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب النبوة بإسناده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير قال قلت لأبي جعفر أ كان أولاد يعقوب أنبياء فقال لا ولكنهم كانوا أسباطا أولادا لأنبياء ولم يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا وقال الحسن كانوا رجالا بالغين ووقعت ذلك منهم صغيرة ثم أخبر سبحانه عنهم أنهم قال بعضهم لبعض ﴿اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا﴾ أي اطرحوه في أرض بعيدة عن أبيه فلا يهتدي إليه وقيل معناه في أرض تأكله السباع أو يهلك بغير ذلك ﴿يخل لكم وجه أبيكم﴾ عن يوسف وتخلص لكم محبته والمعنى أنكم متى قتلتموه أو طرحتموه في أرض أخرى خلا لكم أبوكم وحن عليكم ﴿وتكونوا من بعده قوما صالحين﴾ أي وتكونوا من بعد قتل يوسف أو غيبته قوما تائبين والمعنى أنكم إذا فعلتم ذلك وبلغتم أغراضكم تبتم مما فعلتموه وكنتم من جملة الصالحين الذين يعملون الصالحات وهذا يدل على أنهم رأوا ذلك ذنبا يصح التوبة منه عن جماعة من المفسرين وقيل معناه وتكونوا قوما صالحين في أمر دنياكم أي يعود حالكم مع أبيكم إلى الصلاح عن الحسن ومتى يسأل هاهنا على قول من جعلهم غير بالغين فقال أ ليس يدل هذا القول منهم على بلوغهم لعلمهم بالوعيد فالجواب أن المراهق قد يجوز أن يعلم ذلك خاصة إذا كان مر بي في حجر الأنبياء.

ومن أولادهم واختلف فيمن قال ذلك من إخوته فقال وهب قاله شمعون وقال مقاتل قاله روبين ثم أخبر سبحانه عن واحد من جملة القوم بقوله ﴿قال قائل منهم﴾ أي من إخوة يوسف ﴿لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة﴾ أي القوة في قعر البئر يتناوله بعض مارة الطرق والمسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى والقائل لذلك روبين وهو ابن خالة يوسف عن قتادة وابن إسحاق وكان أحسنهم رأيا فيه فنهاهم عن قتله وقيل هو يهوذا وكان أقدمهم في الرأي والفضل وأسنهم عن الأصم والزجاج وقيل هو لاوي رواه علي بن إبراهيم في تفسيره واختلفوا في ذلك الجب فقيل هو بئر بيت المقدس عن قتادة وقيل بأرض الأردن عن وهب وقيل بين مدين ومصر عن كعب وقيل على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب عن مقاتل ﴿إن كنتم فاعلين﴾ معناه إن كنتم فاعلين شيئا مما تقولون في يوسف فليكن هذا فعلكم فإنه دون القتل الصريح وقال ابن عباس يريد أن أضمرتم ما تريدون وقيل للحسن أ يحسد المؤمن فقال ما أنساك حديث بني يعقوب.