الآيات 46-54

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿46﴾ فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ ﴿47﴾ وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿48﴾ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ﴿49﴾ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ﴿50﴾ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿51﴾ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴿52﴾ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴿53﴾ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿54﴾

القراءة:

قرأ حفص ويعقوب وسهل ﴿أسورة﴾ والباقون أساورة.

الحجة:

الأسورة جمع سوار مثل سقاء وأسقية وخوان وأخونة ومن قرأ أساورة جعله جمع أسوار فتكون الهاء عوضا عن الياء التي كانت ينبغي أن تلحق في جمع أسوار على حد أعصار وأعاصير ويجوز في أساورة أن يكون جمع أسورة فيكون مثل أسقية وأساق ولحق الهاء كما لحق في قشعم وقشاعمة.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه حديث موسى (عليه السلام) فقال ﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا﴾ أي بالحجج الباهرة والمعجزات القاهرة ﴿إلى فرعون وملإيه﴾ أي أشراف قومه وخص الملأ بالذكر وإن كان أيضا مرسلا إلى غيرهم لأن من عداهم تبع لهم ﴿فقال﴾ موسى ﴿إني رسول رب العالمين﴾ أرسلني إليكم ﴿فلما جاءهم بآياتنا﴾ أي فلما أظهر المعجزات التي هي اليد البيضاء والعصا ﴿إذا هم منها يضحكون﴾ استهزاء واستخفافا وجهلا منهم بما عليهم من ترك النظر فيها وبما لهم من النفع بحصول العلم بها ﴿وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها﴾ المراد بذلك ما ترادف عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس وكانت كل آية من هذه الآيات أكبر من التي قبلها وهي العذاب المذكور في قوله ﴿وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون﴾ لأنهم عذبوا بهذه الآيات وكانت عذابا لهم ومعجزات لموسى (عليه السلام) فغلب عليهم الشقاء ولم يؤمنوا ﴿وقالوا يا أيه الساحر﴾ يعنون بذلك يا أيها العالم وكان الساحر عندهم عظيما يعظمونه ولم يكن صفة ذم عن الكلبي والجبائي وقيل إنما قالوا استهزاء بموسى (عليه السلام) عن الحسن وقيل معناه يا أيها الذي سلبنا بسحره تقول العرب خاصمته فخصمته وحاججته فحججته فكذلك ساحرته وأرادوا أنه غالب السحرة فغلبهم بسحره ﴿ادع لنا ربك بما عهد عندك﴾ أي بما زعمت أنه عهد عندك وهو أنه ضمن لنا أنا إذا آمنا بك أن يكشف العذاب عنا ﴿إننا لمهتدون﴾ أي راجعون إلى الحق الذي تدعونا إليه متى كشف عنا العذاب وفي الكلام حذف لأن التقدير فدعا موسى وسأل ربه أن يكشف عنهم ذلك العذاب فكشف الله عنهم ذلك ﴿فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون﴾ أي يغدرون وينقضون العهد وفي هذا تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعنى فاصبر يا محمد على أذى قومك فإن حالك معهم كحال موسى مع قومه فيؤول أمرك إلى الاستعلاء على قومك كما آل أمره إلى ذلك ﴿ونادى فرعون في قومه﴾ معناه أنه لما رأى أمر موسى يزيد على الأيام ظهورا واعتلاء خاف على مملكته فأظهر الخداع فخطب الناس بعد ما اجتمعوا و﴿قال يا قوم أليس لي ملك مصر﴾ أتصرف فيها كما أشاء أراد بذلك إظهار بسطته في الملك والمال ﴿وهذه الأنهار﴾ مثل النيل وغيرها ﴿تجري من تحتي﴾ أي من تحت أمري وقيل إنها كانت تجري تحت قصره وهو مشرف عليها ﴿أفلا تبصرون﴾ هذا الملك العظيم وقوتي وضعف موسى ﴿أم أنا خير من هذا الذي هو مهين﴾ أي ضعيف حقير يعني به موسى قال سيبويه والخليل عطف أنا بأم على قوله ﴿أفلا تبصرون﴾ لأن معنى أم أنا خير معنى أم تبصرون فكأنه قال أ فلا تبصرون أم تبصرون لأنهم إذا قالوا له أنت خير منه فقد صاروا بصراء عنده وقيل المهين الفقير الذي يمتهن نفسه في جميع ما يحتاج إليه ليس له من يكفيه أمره ﴿ولا يكاد يبين﴾ أي ولا يكاد يفصح بكلامه وحججه للعقدة التي في لسانه وقال الحسن كانت العقدة زالت عن لسانه حين أرسله الله كما قال مخبرا عن نفسه وأحلل عقدة من لساني ثم قال قد أوتيت سؤلك يا موسى وإنما عيره بما كان في لسانه قبل وقيل كان في لسانه لثغة فرفعه الله تعالى وبقي فيه ثقل عن الجبائي ﴿فلو لا ألقي عليه أسورة من ذهب﴾ أي هلا طرح عليه أسورة من ذهب إن كان صادقا في نبوته وكان إذا سودوا رجلا سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب ﴿أو جاء معه الملائكة مقترنين﴾ متتابعين يعينونه على أمره الذي بعث له ويشهدون له بصدقة وقيل متعاضدين متناصرين كل واحد منهم يمالىء صاحبه ﴿فاستخف قومه﴾ ومعناه إن فرعون استخف عقول قومه ﴿فأطاعوه﴾ فيما دعاهم إليه لأنه احتج عليهم بما ليس بدليل وهو قوله ﴿أليس لي ملك مصر﴾ إلى آخره ولو عقلوا لقالوا ليس في ملك الإنسان دلالة على أنه محق وليس يجب أن يأتي مع الرسل ملائكة لأن الذي يدل على صدق الرسل هو المعجز دون غيره ﴿إنهم كانوا قوما فاسقين﴾ أي خارجين عن طاعة الله تعالى.

النظم:

وجه اتصال قصة موسى (عليه السلام) بما قبلها أنه لما تقدم السؤال عن أحوال الرسل وما جاءوا به اتصل به حديث موسى وعيسى (عليهما السلام) لأن أهل الكتابين إليهما ينتسبون وقيل أنه لما تقدم ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكذيب قومه إياه ذكر حديث موسى تسلية له وتطيبا لقلبه (صلى الله عليه وآله وسلم).