الآيات 41-45
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ﴿41﴾ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ ﴿42﴾ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿43﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿44﴾ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴿45﴾
الإعراب:
لما دخل ما على حرف الشرط أشبه القسم في التأكيد والإيذان بطلب التصديق فدخلت النون في الكلام لذلك لأن النون يلزم في جواب القسم ولا يلزم في الجزاء لأنه به مشبه.
المعنى:
ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون﴾ أي فإما نتوفينك فإنا منهم منتقمون من أمتك بعدك ﴿أو نرينك الذي وعدناهم﴾ معناه أو نبقينك ونرينك في حياتك ما وعدناهم من العذاب ﴿فإنا عليهم مقتدرون﴾ أي قادرون على الانتقام منهم وعقوبتهم في حياتك وبعد وفاتك قال الحسن وقتادة أن الله أكرم نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن لم يره تلك النقمة ولم ير في أمته إلا ما قرت به عينه وقد كان بعده نقمة شديدة وقد روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أري ما تلقى أمته بعده فما زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا حتى لقي الله تعالى وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال إني لأدناهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع بمنى حتى قال لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضار بكم ثم التفت إلى خلفه فقال أو علي أو علي ثلاث مرات فرأينا أن جبرائيل غمزه فأنزل الله على أثر ذلك ﴿فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون﴾ بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وقيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أري الانتقام منهم وهو ما كان من نقمة الله من المشركين يوم بدر بعد أن أخرجوه من مكة فقد أسر منهم وقتل من قلة أصحابه وضعف منتهم وكثرة الكفار وشدة شوكتهم ثم أمره سبحانه بالتمسك بالقرآن فقال ﴿فاستمسك بالذي أوحي إليك﴾ من القرآن بأن تتلوه حق تلاوته وتتبع أوامره وتنتهي عما نهي فيه عنه ﴿إنك على صراط مستقيم﴾ أي على دين حق وصواب وهو دين الإسلام ﴿وإنه لذكر لك ولقومك﴾ أي وإن القرآن الذي أوحي إليك لشرف لك ولقومك من قريش عن ابن عباس والسدي وقيل لقومك أي للعرب لأن القرآن نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص من العرب حتى يكون الشرف لقريش أكثر من غيرهم ثم لبني هاشم أكثر مما يكون لقريش ﴿وسوف تسئلون﴾ عن شكر ما جعله الله لكم من الشرف عن الكلبي والزجاج وغيرهما وقيل تسألون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه ﴿وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا﴾ معناه سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلنا إليهم الرسل هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد وهو قول أكثر المفسرين والتقدير سل أمم من أرسلنا أو أتباع من أرسلنا فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وقيل إن المراد سل أهل الكتابين التوراة والإنجيل وإن كانوا كفارا فإن الحجة تقوم بتواتر خبرهم والخطاب وإن توجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فالمراد به الأمة أي سلوا من ذكرنا ﴿أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون﴾ أي هل جعلنا فيما مضى معبودا سوى الله يعبده قوم فإنهم يقولون إنا لم نأمرهم بذلك ولا تعبده هم به وقيل معناه وسل الأنبياء وهم الذين جمعوا له ليلة الأسرى وكانوا تسعين نبيا منهم موسى وعيسى ولم يسألهم (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه كان أعلم بالله منهم عن الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد.