الآيات 1-3

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿1﴾ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿2﴾ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴿3﴾

الإعراب:

﴿قرآنا عربيا﴾ فيه وجهان (أحدهما) قرآنا انتصب بأنه بدل من الهاء في أنزلناه فكأنه قال إنا أنزلنا قرآنا (والثاني) أنه توطئة للحال لأن عربيا حال وهذا كما تقول مررت بزيد رجلا صالحا فتنصب صالحا على الحال وتجعل رجلا توطئة للحال وقوله ﴿بما أوحينا إليك هذا القرآن﴾ القرآن نصب وإنه وصف لمعمول أوحينا وهو هذا أو بدل أو عطف بيان قال الزجاج ويجوز الجر والرفع جميعا في الكلام وإن لم يقرأ بهما أما الجر فعلى البدل مما أوحينا إليك أي بهذا القرآن وأما الرفع فعلى ترجمة أوحينا إليك كان قائلا قال ما هو فقيل هذا القرآن.

المعنى:

﴿الر﴾ قد سبق الكلام فيه في أول البقرة وإنما لم يعد آية لأنه على حرفين ولا يشاكل رءوس الآي وعد طه آية لأنه يشبه رءوس الآي ﴿تلك آيات الكتاب﴾ قيل في معنى الإشارة بتلك وجوه (أحدها) أنه إشارة إلى ما سيأتي من ذكرها على وجه التوقع لها (والثاني) أنه إشارة إلى السورة أي سورة يوسف آيات الكتاب المبين (والثالث) أن معناه هذه الآيات تلك الآيات التي وعدتم بها في التوراة كما قال ﴿ألم ذلك الكتاب﴾ عن الزجاج و﴿المبين﴾ المظهر لحلال الله وحرامه والمعاني المرادة فيه عن مجاهد وقتادة والمبين والمبين واحد والبيان هو الدلالة ﴿إنا أنزلناه﴾ يعني القرآن أي أنزلنا هذا الكتاب وقيل أنزلنا خبر يوسف وقصته عن الزجاج قال لأن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف (عليه السلام) فقال ﴿إنا أنزلناه قرآنا عربيا﴾ على مجاري كلام العرب في محاوراتهم وروى ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أحب العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي ﴿لعلكم تعقلون﴾ أي لتعلموا جميع معانيه وتفهموا ما فيه وقيل معناه لتعلموا أنه من عند الله إذ كان عربيا وعجزتم عن الإتيان بمثله وفي هذه الآية دلالة على أن كلام الله سبحانه محدث وأنه غير الله لأنه وصفه بالإنزال وبأنه عربي ولا يوصف بذلك القديم سبحانه ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص﴾ أي نبين لك أحسن البيان عن الزجاج وهذا كقولهم صمت أحسن الصيام وقمت أحسن القيام مما يكون انتصابه على أنه قائم مقام المصدر فالمعنى نبين لك أحسن تبيين وأحسن إيضاح ﴿بما أوحينا إليك﴾ أي بوحينا إليك ﴿هذا القرآن﴾ ودخلت الباء لتبيين القصص إذ القصص تكون قرآنا وغير القرآن والقصص هاهنا بوحي القرآن وقيل إنما سمي القرآن أحسن القصص لأنه بلغ النهاية في الفصاحة وحسن المعاني وعذوبة الألفاظ مع التلاؤم المنافي للتنافر والتشاكل بين المقاطع والفواصل وقيل لأنه ذكر فيه أخبار الأمم الماضية وأخبار الكائنات الآتية وجميع ما يحتاج إليه العباد إلى يوم القيامة بأعذب لفظ وتهذيب في أحسن نظم وترتيب وقيل أراد بأحسن القصص قصة يوسف وحدها لأنها تتضمن من الفوائد والنكت والغرائب ما لا يتضمنه غيرها ولأنها تمتد امتداد لا يمتد غيرها مثله وقوله ﴿أحسن القصص﴾ يدل على أن الحسن يتفاضل ويتعاظم لأن لفظة أفعل حقيقتها ذلك وإنما يتعاظم بكثرة استحقاق المدح عليه ويسأل عن هذا فيقال هل يجوز أن يسمى الله سبحانه قاصا فيقال لا لأنه في العرف إنما يستعمل فيمن تمسك بطريقة مخصوصة وهذا كما أنه سبحانه لا يسمى معلما ولا مفتيا وإن وصف نفسه بأنه علم القرآن وبأنه يفتيكم في النساء وقوله ﴿وإن كنت من قبله لمن الغافلين﴾ معناه وما كنت من قبل أن أوحينا إليك هذا القرآن أو من قبل نزول القرآن عليك إلا من الغافلين عن الحكم التي في القرآن لا تعلم شيئا منها وقيل من الغافلين عن قصة يوسف وعن الحكم التي فيها.