الآيات 71-76

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴿71﴾ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴿72﴾ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿73﴾ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴿74﴾ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ﴿75﴾ فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿76﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة الحسن والأعمش ركوبهم وقراءة عائشة وأبي بن كعب ركوبتهم.

الحجة:

أما الركوب فمصدر والكلام على حذف المضاف والتقدير فمنها ذو ركوبهم وذو الركوب هو المركوب ويجوز أن يكون التقدير فمن منافعها ركوبهم كما يقول الإنسان لغيره من بركاتك وصول الخير إلي على يدك وأما ركوبتهم فهي المركوبة كالقتوبة والحلوبة والجزورة لما يقتب ويحلب ويجزر.

المعنى:

ثم عاد الكلام إلى ذكر الأدلة على التوحيد فقال سبحانه ﴿أولم يروا﴾ معناه أولم يعلموا ﴿أنا خلقنا لهم﴾ أي لمنافعهم ﴿مما عملت أيدينا﴾ أي مما ولينا خلقه بإبداعنا وإنشائنا لم نشارك في خلقه ولم نخلقه بإعانة معين واليد في اللغة على أقسام منها الجارحة ومنها النعمة ومنها القوة منها تحقيق الإضافة يقال في معنى النعمة لفلان عندي يد بيضاء وبمعنى القدرة تلقى فلان قولي باليدين أي بالقوة والتقبل وبمعنى تحقيق الإضافة قول الشاعر:

دعوت لما نابني مسورا

فلبي فلبي يدي مسور

وإنما ثناه لتحقيق المبالغة في الإضافة إلى مسور ويقولون هذا ما جنت يداك وهو المعنى في الآية وإذا قال الواحد منا عملت هذا بيدي دل ذلك على انفراده بعمله من غير أن يكله إلى أحد ﴿أنعاما﴾ يعني الإبل والبقر والغنم ﴿فهم لها مالكون﴾ أي ولو لم نخلقها لما ملكوها ولما انتفعوا بها وبالبانها وركوب ظهورها ولحومها وقيل فهم لها ضابطون قاهرون لم نخلقها وحشية نافرة منهم لا يقدرون على ضبطها فهي مسخرة لهم وهو قوله ﴿وذللناها لهم﴾ أي سخرناها لهم حتى صارت منقادة ﴿فمنها ركوبهم ومنها يأكلون﴾ قسم الأنعام بأن جعل منها ما يركب ومنها ما يذبح فينتفع بلحمه ويؤكل قال مقاتل الركوب الحمولة يعني الإبل والبقر ﴿ولهم فيها منافع ومشارب﴾ فمن منافعها لبس أصوافها وأشعارها وأوبارها وأكل لحومها وركوب ظهورها إلى غير ذلك من أنواع المنافع الكثيرة فيها والمشارب من ألبانها ﴿أفلا يشكرون﴾ الله تعالى على هذه النعم ثم ذكر سبحانه جهلهم فقال ﴿واتخذوا من دون الله آلهة﴾ يعبدونها ﴿لعلهم ينصرون﴾ أي لكي ينصروهم ويدفعوا عنهم عذاب الله ﴿لا يستطيعون نصرهم﴾ يعني هذه الآلهة التي عبدوها لا تقدر على نصرهم والدفع عنهم ﴿وهم لهم جند محضرون﴾ يعني أن هذه الآلهة معهم في النار محضرون لأن كل حزب مع ما عبده من الأوثان في النار فلا الجند يدفعون عنها الإحراق ولا هي تدفع عنهم العذاب وهذا كما قال سبحانه إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم عن الجبائي وقيل معناه أن الكفار جند للأصنام يغضبون لهم ويحضرونهم في الدنيا عن قتادة أي يغضبون للآلهة في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تدفع عنهم شرا قال الزجاج ينصرون الأصنام وهي لا تستطيع نصرهم ثم عزى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن قال ﴿فلا يحزنك قولهم﴾ في تكذيبك ﴿إنا نعلم ما يسرون﴾ في ضمائرهم ﴿وما يعلنون﴾ بألسنتهم فنجازيهم على كل ذلك.