الآيات 41-50

وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي كِ الْمَشْحُونِ ﴿41﴾ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴿42﴾ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ ﴿43﴾ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴿44﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿45﴾ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴿46﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿47﴾ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿48﴾ مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴿49﴾ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴿50﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر ويعقوب وسهل ذرياتهم على الجمع والباقون ﴿ذريتهم﴾ على التوحيد وقرأ ابن كثير وورش ومحمد بن حبيب عن الأعمش وروح وزيد عن يعقوب يخصمون بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد وقرأ أبو عمرو بفتح الخاء أيضا إلا أنه يشمه الفتح ولا يشبعه وقرأ أهل المدينة غير ورش يخصمون ساكنة الخاء مشددة الصاد وقرأ حمزة يخصمون ساكنة الخاء خفيفة الصاد والباقون ﴿يخصمون﴾ بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد.

الحجة:

من قرأ يخصمون حذف الحركة من التاء المدغم في يختصمون وألقاها على الساكن الذي قبلها وهو الخاء وهذا أحسن الوجوه بدلالة قولهم رد وفر وعض ألقوا حركة العين على الساكن الذي قبلها ومن قرأ ﴿يخصمون﴾ حذف الحركة من الحرف المدغم إلا أنه لم يلقها على الساكن الذي قبلها كما ألقاه في الأول فالتقى الساكنان فحرك الحرف الذي قبل المدغم بالكسر ومن قرأ يخصمون جمع بين الساكنين الخاء والحرف المدغم قال أبو علي ومن زعم أن ذلك ليس في طاقة اللسان فقد ادعى ما يعلم فساده بغير استدلال وأما من قرأ يخصمون وتقديره يخصم بعضهم بعضا فحذف المضاف وحذف المفعول به ويجوز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عند أنفسهم فحذف المفعول به ومعنى يخصمون يغلبون في الخصام خصومهم.

اللغة:

الحمل منع الشيء أن يذهب إلى جهة السفل والفلك السفن لأنها تدور في الماء ومنه الفلكة لأنها تدور في المغزل والفلك لأنها تدور بالنجوم وفلك ثدي المرأة إذا استدار والمشحون المملوء وشحنت الثغر بالرجال أشحنه شحنا إذا ملأته ومنه الشحنة لأنه يملأ بهم البلد.

الإعراب:

﴿رحمة منا﴾ نصب على أنه مفعول له و﴿متاعا﴾ عطف عليه ويمكن أن يكون على معنى إلا أن نرحمهم رحمة ونمتعهم متاعا.

المعنى:

ثم امتن سبحانه على خلقه بذكر فنون نعمه دالا بذلك على وحدانيته فقال ﴿وآية لهم﴾ أي وحجة وعلامة لهم على اقتدارنا ﴿أنا حملنا ذريتهم﴾ يعني آباءهم وأجدادهم الذين هؤلاء من نسلهم ﴿في الفلك المشحون﴾ يعني سفينة نوح المملوءة من الناس وما يحتاج إليه من فيها فسلموا من الغرق فانتشر منهم بشر كثير ويسمى الآباء ذرية من ذرأ الله الخلق لأن الأولاد خلقوا منهم وسمي الأولاد ذرية لأنهم خلقوا من الآباء عن الضحاك وقتادة وجماعة من المفسرين وقيل الذرية هم الصبيان والنساء والفلك هي السفن الجارية في البحار وخص الذرية بالحمل في الفلك لضعفهم ولأنه لا قوة لهم على السفر كقوة الرجال فسخر الله لهم السفن ليمكن الحمل في البحر والإبل ليمكن الحمل في البر يقول القائل حملني فلان إذا أعطاه ما يحمل أو هداه إلى ما يحمل عليه قال الشاعر:

ألا فتى عنده خفان يحملني

عليهما إنني شيخ على سفر

﴿وخلقنا لهم من مثله ما يركبون﴾ أي وخلقنا لهم من مثل سفينة نوح سفنا يركبون فيها كما ركب نوح يعني السفن التي عملت بعد سفينة نوح مثلها على صورتها وهيئتها عن ابن عباس وغيره وقيل إن المراد به الإبل وهي سفن البر عن مجاهد وقيل مثل السفينة من الدواب كالإبل والبقر والحمير عن الجبائي ﴿وإن نشأ نغرقهم﴾ أي وإن نشأ إذا حملناهم في السفن نغرقهم بتهييج الرياح والأمواج ﴿فلا صريخ لهم﴾ أي لا مغيث لهم ﴿ولا هم ينقذون﴾ أي ولا يخلصون من الغرق إذا أردناه ﴿إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين﴾ أي إلا أن نرحمهم بأن نخلصهم في الحال من أهوال البحر ونمتعهم إلى وقت ما قدرناه لتقضى آجالهم وقيل معناه بقيناهم نعمة منا عليهم وإمتاعا إلى مدة ﴿وإذا قيل لهم﴾ أي للمشركين ﴿اتقوا ما بين أيديكم﴾ من أمر الآخرة فاعملوا لها ﴿وما خلفكم﴾ من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي لتكونوا على رجاء الرحمة من الله تعالى عن ابن عباس وقيل معناه اتقوا ما مضى من الذنوب وما يأتي من الذنوب عن مجاهد أي اتقوا عذاب الله بالتوبة للماضي والاجتناب للمستقبل وقيل اتقوا العذاب المنزل على الأمم الماضية وما خلفكم من عذاب الآخرة عن قتادة وروى الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال معناه اتقوا ما بين أيديكم من الذنوب وما خلفكم من العقوبة وجواب إذا محذوف تقديره إذا قيل لهم هذا أعرضوا ويدل على هذا المحذوف قوله ﴿وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين﴾ أي أعرضوا عن الداعي وعن التفكر في الحجج وفي المعجزات ومن في قوله ﴿من آية﴾ هي التي تزاد في النفي للاستغراق ومن الثانية للتبعيض أي ليس تأتيهم آية آية آية كانت إلا ذهبوا عنها وأعرضوا عن النظر فيها وذلك سبيل من ضل عن الهدى وخسر الدنيا والآخرة ﴿وإذا قيل لهم﴾ أيضا ﴿أنفقوا مما رزقكم الله﴾ في طاعته وأخرجوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم ﴿قال الذين كفروا للذين آمنوا أ نطعم من لو يشاء الله أطعمه﴾ احتجوا في منع الحقوق بأن قالوا كيف نطعم من يقدر الله على إطعامه ولو شاء الله إطعامه أطعمه فإذا لم يطعم دل على أنه لم يشأ إطعامه وذهب عليهم إن الله سبحانه إنما تعبدهم بذلك لما لهم فيه من المصلحة فأمر الغني بالإنفاق على الفقير ليكسب به الأجر والثواب واختلف في هؤلاء الذين قالوا ذلك فقيل هم اليهود حين أمروا بإطعام الفقراء عن الحسن وقيل هم مشركو قريش قال لهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أطعمونا من أموالكم ما زعمتم أنه لله وذلك قوله هذا لله بزعمهم عن مقاتل وقيل هم الزنادقة الذين أنكروا الصانع تعلقوا بقوله ﴿رزقكم الله﴾ فقالوا إن كان هو الرزاق فلا فائدة في التماس الرزق منا وقد رزقنا وحرمكم فلم تأمرون بإعطاء من حرمه الله ﴿إن أنتم إلا في ضلال مبين﴾ هذا من قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام عن قتادة وقيل أنه من قول الله تعالى لهم حين ردوا هذا بالجواب عن علي بن عيسى ﴿ويقولون متى هذا الوعد﴾ الذي تعدنا به من نزول العذاب بنا ﴿إن كنتم صادقين﴾ في ذلك أنت وأصحابك وهذا استهزاء منهم بخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخبر المؤمنين فقال تعالى في جوابهم ﴿ما ينظرون﴾ أي ما ينتظرون ﴿إلا صيحة واحدة﴾ يريد النفخة الأولى عن ابن عباس يعني أن القيامة تأتيهم بغتة ﴿تأخذهم﴾ الصيحة ﴿وهم يخصمون﴾ أي يختصمون في أمورهم ويتبايعون في الأسواق وفي الحديث تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوابهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم وقيل وهم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا ﴿فلا يستطيعون توصية﴾ يعني أن الساعة إذا أخذتهم بغتة لم يقدروا على الإيصاء بشيء ﴿ولا إلى أهلهم يرجعون﴾ أي ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق وهذا إخبار عما يلقونه في النفخة الأولى عند قيام الساعة.