الآيات 1-5

حم ﴿1﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿2﴾ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿3﴾ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿4﴾ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ ﴿5﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة والكوفة غير عاصم إن كنتم بكسر الهمزة والباقون بفتحها.

الحجة:

قال أبو علي من قال ﴿أن كنتم﴾ فالمعنى لأن كنتم فأما صفحا فانتصابه من باب صنع الله لأن قوله ﴿أفنضرب عنكم الذكر﴾ يدل على أن نصفح عنكم صفحا وكان قولهم صفحت عنه أي أعرضت عنه ووليته صفحة العنق فالمعنى أفنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم لأن كنتم قوما مسرفين وهذا يقرب من قوله ﴿أيحسب الإنسان أن يترك سدى﴾ والكسر على أنه جزاء استغني عن جوابه بما تقدمه مثل أنت ظالم إن فعلت كذا كأنه قال: إن كنتم مسرفين نضرب.

اللغة:

يقال ضربت عنه وأضربت عنه أي تركته وأمسكت عنه ويقال صفح عني بوجهه قال كثير وذكر امرأة:

صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة

فمن مل منها ذلك الوصل

ملت أي معرضة بوجهها والصفوح في صفات الله تعالى معناه العفو عن الذنب كأنه أعرض عن مجازاته تفضلا يقال صفح عن ذنبه إذا عفا والإسراف مجاوزة الحد في العصيان.

المعنى:

﴿حم﴾ مر معناه ﴿والكتاب المبين﴾ أقسم بالقرآن المبين للحلال والحرام المبين ما يحتاج إليه الأنام من شرائع الإسلام ﴿إنا جعلناه﴾ أي أنزلناه عن السدي وقيل قلناه عن مجاهد ونظيره ويجعلون لله البنات أي يقولون ﴿قرآنا عربيا﴾ أي بلسان العرب والمعنى جعلناه على طريقة العرب في مذاهبهم في الحروف والمفهوم ومع ذلك فإنه لا يتمكن أحد منهم من إنشاء مثله والابتداء بما يقاربه من علو طبقته في البلاغة والفصاحة إما لعدم علمهم بذلك أو لأنهم صرفوا عنه على الخلاف بين العلماء فيه ﴿لعلكم تعقلون﴾ أي لكي تعقلوا وتتفكروا فيه فتعلموا صدق من ظهر على يده وفي هذه الآية دلالة على حدوث القرآن لأن المجعول هو المحدث بعينه ﴿وإنه﴾ يعني القرآن ﴿في أم الكتاب﴾ أي في اللوح المحفوظ وإنما سمي أما لأن سائر الكتب تنسخ منه وقيل لأن أصل كل شيء أمه والقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ عن الزجاج وهو الكتاب الذي كتب الله فيه ما يكون إلى يوم القيامة لما رأى في ذلك من صلاح ملائكته بالنظر فيه وعلم فيه من لطف المكلفين بالإخبار عنه ﴿لدينا﴾ أي الذي عندنا عن ابن عباس ﴿لعلي﴾ أي عال في البلاغة مظهر ما بالعباد إليه من الحاجة وقيل: معناه يعلو كل كتاب بما اختص به من كونه معجزا وناسخا للكتب وبوجوب إدامة العمل به وبما تضمنه من الفوائد وقيل علي أن عظيم الشأن رفيع الدرجة تعظمه الملائكة والمؤمنون ﴿حكيم﴾ أي مظهر للحكمة البالغة وقيل حكيم دلالة على كل حق وصواب فهو بمنزلة الحكيم الذي لا ينطق إلا بالحق وصف الله تعالى القرآن بهاتين الصفتين على سبيل التوسع لأنهما من صفات الحي ثم خاطب سبحانه من لم يعتبر بالقرآن وجحد ما فيه من الحكمة والبيان فقال ﴿أفنضرب عنكم الذكر صفحا﴾ والمراد بالذكر هنا القرآن أي أ فنترك عنكم الوحي صفحا فلا نأمركم ولا ننهاكم ولا نرسل إليكم رسولا ﴿أن كنتم قوما مسرفين﴾ أي لأن كنتم والمعنى أفنمسك عن إنزال القرآن ونهملكم فلا نعرفكم ما يجب عليكم من أجل إنكم أسرفتم في كفركم وهذا استفهام إنكار ومعناه إنا لا نفعل ذلك وأصل ضربت عنه الذكر أن الراكب إذا ركب دابة فأراد أن يصرفه عن جهة ضربه بعصى أو سوط ليعدل به إلى جهة أخرى ثم وضع الضرب موضع الصرف والعدل وقيل أن الذكر بمعنى العذاب ومعناه أحسبتم أنا لا نعذبكم أبدا عن السدي.