الآيات 36-40

سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴿36﴾ وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴿37﴾ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ يمِ ﴿38﴾ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿39﴾ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿40﴾

القراءة:

قرأ زيد عن يعقوب لمستقر لها بكسر القاف والباقون بفتحها وقرأ أهل الحجاز والبصرة غير أبي جعفر ورويس والقمر بالرفع والباقون بالنصب وروي عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وأبي جعفر الباقر وجعفر الصادق (عليه السلام) وابن عباس وابن مسعود وعكرمة وعطاء بن أبي رباح لا مستقر لها بنصب الراء.

الحجة:

قال أبو علي الرفع على تقدير وآية لهم القمر قدرناه منازل مثل قوله ﴿وآية لهم الليل﴾ فهو على هذا أشبه بالجمل التي قبلها والقول في آية أنه يرتفع بالابتداء ولهم صفة للنكرة والخبر مضمر تقديره وآية لهم في الشاهد أو الوجود وقوله ﴿الليل نسلخ منه النهار﴾ و﴿القمر قدرناه منازل﴾ تفسير للآية كما أن قوله تعالى لهم مغفرة تفسير للوعد وللذكر مثل حظ الأنثيين تفسير للوصية ومن نصب فقد حمله على زيدا ضربته وأما قوله لا مستقر لها فظاهره العموم والمعنى الخصوص فهو بمنزلة قوله:

أبكي لفقدك ما ناحت مطوقة

وما سما فنن يوما على ساق

والمعنى لو عشت أبدا لبكيتك وكذلك قوله لا مستقر لها أي ما دامت السماوات على ما هي عليه فإذا زالت السماوات استقرت الشمس وبطل سيرها.

اللغة:

السلخ إخراج الشيء من لباسه ومنه إخراج الحيوان من جلده ومنه قوله فانسلخ منها أي فخرج منها خروج الشيء مما لابسه والعرجون العذق الذي فيه الشماريخ وهو العثكول والعثكال والكباسة والقنو وهو فعلول قال رؤبة:

في خدر مياس الدمى معرجن

الإعراب:

﴿والقمر قدرناه منازل﴾ تقديره ذا منازل ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ولا يجوز أن يكون بلا حذف لأن القمر غير المنازل وإنما يجري فيها ولا يجوز أن ينصب منازل على الظرف لأنه محدود والفعل لا يصل إلى المحدود إلا بحرف جر نحو جلست في المسجد ولا يجوز جلست المسجد.

المعنى:

ثم نزه سبحانه نفسه وعظمها دالا بذلك على أنه هو الذي يستحق منتهى الحمد وغاية الشكر فقال ﴿سبحان الذي خلق الأزواج كلها﴾ أي تنزيها وتعظيما وبراءة عن السوء للذي خلق الأصناف والأشكال من الأشياء فالحيوان على مشاكلة الذكر للأنثى وكذلك النخل والحبوب إشكال والتين والكرم ونحوهما إشكال فلذلك قال ﴿مما تنبت الأرض﴾ أي من سائر النبات ﴿ومن أنفسهم﴾ أي وخلق منهم أولادا أزواجا ذكورا وإناثا ﴿ومما لا يعلمون﴾ مما في بطون الأرض وقعر البحار فلم يشاهدوه ولم يتصل خبره بهم ﴿وآية لهم﴾ أي ودلالة لهم أخرى ﴿الليل نسلخ منه النهار﴾ أي ننزع منه ونخرج ضوء الشمس فيبقى الهواء مظلما كما كان لأن الله سبحانه يضيء الهواء بضياء الشمس فإذا سلخ منه الضياء أي كشط وأزيل يبقى مظلما وقيل إنما قال سبحانه ﴿نسلخ منه النهار﴾ لأنه تعالى جعل الليل كالجسم لظلمته وجعل النهار كالقشر ولأن النهار عارض فهو كالكسوة والليل أصل فهو كالجسم وقوله ﴿فإذا هم مظلمون﴾ أي داخلون في الليل لا ضياء لهم فيه ﴿والشمس تجري لمستقر لها﴾ معناه ودلالة أخرى لهم الشمس وفي قوله ﴿لمستقر لها﴾ أقوال (أحدها) أنها تجري لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا فلا تزال تجري حتى تنقضي الدنيا عن جماعة من المفسرين قال أبو مسلم ومعنى هذا ومعنى لا مستقر لها واحد أي لا قرار لها إلى انقضاء الدنيا (وثانيها) أنها تجري لوقت واحد لا تعدوه ولا يختلف عن قتادة (وثالثها) أنها تجري إلى أقصى منازلها في الشتاء والصيف لا تتجاوزها والمعنى أن لها في الارتفاع غاية لا تتجاوزها ولا تنقطع دونها ولها في الهبوط غاية لا تتجاوزها ولا تقصر عنها فهو مستقرها ﴿ذلك تقدير العزيز﴾ أي القادر الذي لا يعجزه شيء ﴿العليم﴾ الذي لا يخفي عليه شيء ﴿والقمر قدرناه منازل﴾ وهي ثمانية وعشرون منزلا ينزل كل يوم وليلة منزلة منها لا يختلف حاله في ذلك إلى أن يقطع الفلك ﴿حتى عاد كالعرجون القديم﴾ أي عاد في آخر الشهر دقيقا كالعذق اليابس العتيق ثم يخفي يومين آخر الشهر وإنما شبهه سبحانه بالعذق لأنه إذا مضت عليه الأيام جف وتقوس فيكون أشبه الأشياء بالهلال وقيل إن العذق يصير كذلك في كل ستة أشهر روى علي بن إبراهيم بإسناده قال دخل أبو سعيد المكاري وكان واقفيا على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له أبلغ من قدرك إنك تدعي ما ادعاه أبوك فقال له أبو الحسن ما لك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك أ ما علمت أن الله عز وجل أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا يبريء الأكمه والأبرص فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى فعيسى من مريم ومريم من عيسى ومريم وعيسى شيء واحد وأنا من أبي وأبي مني وأنا وأبي شيء واحد فقال له أبو سعيد فأسألك عن مسألة قال سل ولا أخالك تقبل مني ولست من غنمي ولكن هلمها قال ما تقول في رجل قال عند موته كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله فقال أبو الحسن ما ملكه لستة أشهر فهو قديم وهو حر قال وكيف صار كذلك قال لأن الله تعالى يقول ﴿والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم﴾ أسماه الله قديما ويعود كذلك لستة أشهر قال فخرج أبو سعيد من عنده وذهب بصره وكان يسأل على الأبواب حتى مات ﴿لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر﴾ في سرعة سيره لأن الشمس أبطأ سيرا من القمر فإنها تقطع منازلها في سنة والقمر يقطعها في شهر والله سبحانه يجريهما إجراء التدوير باين بين فلكيهما ومجاريهما فلا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر ما داما على هذه الصفة ﴿ولا الليل سابق النهار﴾ أي ولا يسبق الليل والنهار وقيل معناه لا يجتمع ليلتان ليس بينهما يوم بل تتعاقبان كما قدره الله تعالى عن عكرمة وروى العياشي في تفسيره بالإسناد عن الأشعث بن حاتم قال كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا (عليه السلام) والفضل بن سهل والمأمون في إيوان الحبري بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا (عليه السلام) إن رجلا من بني إسرائيل سألني بالمدينة فقال النهار خلق قبل أم الليل فما عندكم قال فأداروا الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شيء فقال الفضل للرضا أخبرنا بها أصلحك الله قال نعم من القرآن أم من الحساب قال له الفضل من جهة الحساب فقال قد علمت يا فضل إن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والشمس في الحمل والقمر في الثور فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر من الطالع في وسط السماء فالنهار خلق قبل الليل وفي قوله تعالى ﴿لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار﴾ أي قد سبقه النهار ثم قال ﴿وكل﴾ من الشمس والقمر والنجوم ﴿في فلك يسبحون﴾ يسيرون فيه بانبساط وكل ما انبسط في شيء فقد سبح فيه ومنه السباحة في الماء وإنما قال ﴿يسبحون﴾ بالواو والنون لما أضاف إليها ما هو من فعل الآدميين كما قال ما لكم لا تنطقون لما وصفها بصفة من يعقل وقال ابن عباس يسبحون أي يجري كل واحد منها في فلكة كما يدور المغزل في الفلكة.