الآيات 51-55

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴿51﴾ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴿52﴾ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿53﴾ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ يمُ الْقَدِيرُ ﴿54﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴿55﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وعباس عن أبي عمرو ولا يسمع الصم والباقون ﴿ولا تسمع الصم﴾ وقد ذكرناه في سورة النمل وقرأ عاصم وحمزة من ضعف بالضم والباقون بفتح الضاد وقد ذكرناه في سورة الأنفال.

الإعراب:

جواب الشرط من قوله ﴿ولئن أرسلنا﴾ قد حذف لأنه قد أغنى عنه جواب القسم لأن المعنى في قوله ﴿لظلوا﴾ ليظلن كما أن قوله ﴿أن أرسلنا﴾ بمعنى أن نرسل فجواب القسم قد ناب عن الأمرين وكان أحق بالحكم لتقدمه على الشرط ولو تقدم الشرط لكان الجواب له كقولك إن أرسلنا ريحا فظلوا والله يكفرون واللام في قوله ﴿ولئن﴾ يسميها البصريون لام توطئة القسم ويسميها الكوفيون لام إنذار القسم والمعنى ظل يفعل في صدر النهار وهو الوقت الذي فيه الظل للشمس.

المعنى:

ثم عاب سبحانه كافر النعمة فقال ﴿ولئن أرسلنا ريحا﴾ مؤذنة بالهلاك باردة ﴿فرأوه مصفرا﴾ أي فرأوا النبت والزرع الذي كان من أثر رحمة الله مصفرا من البرد بعد الخضرة والنضارة وقيل إن الهاء يعود إلى السحاب ومعناه فرأوا السحاب مصفرا لأنه إذا كان كذلك لم يكن فيه مطر ﴿لظلوا من بعده يكفرون﴾ أي لصاروا من بعد أن كانوا راجين مستبشرين يكفرون بالله وبنعمته ولم يرضوا بقضاء الله تعالى فيه فعل من جهل صانعه ومدبره ولا يعلم أنه حكيم لا يفعل إلا الأصلح فيشكر عند النعمة ويصبر عند الشدة ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿فإنك لا تسمع﴾ يا محمد ﴿الموتى ولا تسمع الصم الدعاء﴾ شبه الكفار في ترك تدبرهم فيما يدعوهم إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تارة بالأموات وتارة بالصم لأنهم لا ينتفعون بدعاء الداعي فكأنهم لا يسمعونه ﴿إذا ولوا مدبرين﴾ أي إذا أعرضوا عن أدلتنا ذاهبين إلى الضلال والفساد غير سالكين سبيل الرشاد ﴿وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم﴾ يعني أنهم كالعمي لا يهتدون بالأدلة ولا تقدر على ردهم عن العمى إذ لم يطلبوا الاستبصار ﴿إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا﴾ ليس تسمع إلا من يصدق بآياتنا وأدلتنا فإنهم المنتفعون بدعائك وإسماعك ﴿فهم مسلمون﴾ منقادون لأمر الله ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأدلة فقال ﴿الله الذي خلقكم من ضعف﴾ أي من نطف وقيل معناه خلقكم أطفالا لا تقدرون على البطش والمشي والتصرفات ﴿ثم جعل من بعد ضعف قوة﴾ أي شبابا ﴿ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة﴾ يعني حال الشيخوخة والكبر ﴿يخلق ما يشاء﴾ من ضعف وقوة ﴿وهو العليم﴾ بما فيه مصالح خلقه ﴿القدير﴾ على فعله بحسب ما يعلمه من المصلحة ثم بين سبحانه حال البعث فقال ﴿ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون﴾ أي يحلف المشركون ﴿ما لبثوا﴾ في القبور ﴿غير ساعة﴾ واحدة عن الكلبي ومقاتل وقيل يحلفون ما مكثوا في الدنيا غير ساعة لاستقلالهم مدة الدنيا وقيل يحلفون ما لبثوا بعد انقطاع عذاب القبر غير ساعة عن الجبائي ومتى قيل كيف يحلفون كاذبين مع أن معارفهم في الآخرة ضرورية قيل فيه أقوال (أحدها) أنهم حلفوا على الظن ولم يعلموا لبثهم في القبور فكأنهم قالوا ما لبثنا غير ساعة في ظنوننا عن أبي علي وأبي هاشم (وثانيها) أنهم استقلوا الدنيا لما عاينوا من أمر الآخرة فكأنهم قالوا ما الدنيا في الآخرة إلا ساعة فاستقلوا حيث اشتغلوا في المدة اليسيرة بما أوردهم تلك الأهوال الكثيرة (وثالثها) أن ذلك يجوز أن يقع منهم قبل إكمال عقولهم عن أبي بكر بن الإخشيد ﴿كذلك كانوا يؤفكون﴾ في دار الدنيا أي يكذبون وقيل يصرفون صرفهم جهلهم عن الحق في الدارين ومن استدل في هذه الآية على نفي عذاب القبر فقد أبعد لما بينا أنه يجوز أن يريدوا أنهم لم يلبثوا بعد عذاب الله إلا ساعة.