الآيات 46-50

وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ كُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿46﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿47﴾ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿48﴾ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴿49﴾ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿50﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وابن ذكوان كسفا بسكون السين والباقون بتحريكها وقد مضى القول فيه وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة غير أبي بكر ﴿إلى آثار﴾ على الجمع والباقون أثر بغير الألف على الواحد وروي عن علي (عليه السلام) وابن عباس والضحاك من خلله وعن الجحدري وابن السميقع وابن حيوة كيف تحيي بالتاء.

الحجة:

قال أبو علي الإفراد في أثر لأنه مضاف إلى مفرد وجاز الجمع لأن رحمة الله يجوز أن يراد به الكثرة كما قال سبحانه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقوله ﴿كيف يحيي الأرض﴾ يجوز أن يكون فاعل يحيي الضمير العائد إلى أثر ويجوز أن يكون الضمير العائد إلى اسم الله وهو الأولى ومن رد الضمير إلى أثر لزمه أن يقول تحيي بالتاء إذا قرأ ﴿آثار رحمة الله﴾ فأما من قرأ من خلله فيجوز أن يكون خلل واحد خلال كجبل وجبال ويجوز أن يكون خلال واحدا عاقب خللا كالصلأ والصلاء ومن قرأ إلى أثر رحمت الله كيف تحيي بالتاء فإنما جاز ذلك وإن كان لا يجوز أما ترى إلى غلام هند كيف تضرب زيدا بالتاء لأن الرحمة قد يقوم مقامها أثرها ولا يقوم مقام هند غلامها تقول رأيت عليك النعمة ورأيت عليك أثر النعمة ولا يعبر عن هند بغلامها.

الإعراب:

﴿وليذيقكم﴾ عطف على المعنى وتقديره يرسل الرياح ليبشركم بها وليذيقكم وقوله ﴿كيف يشاء﴾ تقديره أي مشيئة يشاء فيكون مفعولا مطلقا ليشاء وقوله ﴿كيف يحيي الأرض﴾ يجوز أن يكون كيف في موضع نصب على الحال من يحيي وذو الحال الضمير المستكن في يحيي أو الأرض والتقدير أمبدعا يحيي الأرض أم لا أو مبدعه يحيي الأرض أم لا ويجوز أن يكون على تقدير المصدر أي إحياء يحيي الأرض قال ابن جني والجملة منصوبة الموضع على الحال حملا على المعنى لا على اللفظ وذلك أن اللفظ استفهام والحال ضرب من الخبر والاستفهام والخبر معنيان متدافعان وتلخيص كونها حالا أنه كأنه قال فانظر إلى آثار رحمة الله محيية للأرض كما أن قوله:

ما زلت أسعى بينهم وأختبط

حتى إذا جاء الظلام المختلط

جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط فقوله:

هل رأيت الذئب قط جملة استفهامية في موضع وصف لضيح حملا على المعنى دون اللفظ فكأنه قال جاءوا بضيح يشبه لونه لون الذئب والضيح اللبن المخلوط بالماء وهو يضرب إلى الخضرة والطلسة.

المعنى:

ولما وعد الله سبحانه وأوعد فكان قائلا قال ما أصل ما يجزي الله عليه بالخير فقيل العبادة وأصل عبادة الله معرفته ومعرفته إنما تكون بأفعاله فقال ﴿ومن آياته﴾ أي ومن أفعاله الدالة على معرفته ﴿أن يرسل الرياح مبشرات﴾ بالمطر فكأنها ناطقات بالبشارة لما فيها من الدلالة عليه وإرسال الرياح تحريكها وإجراؤها في الجهات المختلفة تارة شمالا وتارة جنوبا صبا وأخرى دبورا على حسب ما يعلم الله في ذلك من المصلحة ﴿وليذيقكم من رحمته﴾ أي وليصيبكم من نعمته وهي الغيث وتقديره أنه يرسل الرياح للبشارة والإذاقة من الرحمة ﴿ولتجري الفلك﴾ بها ﴿بأمره ولتبتغوا من فضله﴾ أي ولتطلبوا بركوب السفن الأرياح وقيل لتطلبوا بالأمطار فيما تزرعونه من فضل الله ﴿ولعلكم تشكرون﴾ نعمة الله تلطف سبحانه بلفظ لعلكم في الدعاء إلى الشكر كما تلطف في الدعاء إلى البر بقوله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) تسلية له في تكذيب قومه إياه فقال ﴿ولقد أرسلنا من قبلك﴾ يا محمد ﴿رسلا إلى قومهم فجاؤهم بالبينات﴾ أي بالمعجزات والآيات الباهرات وهاهنا حذف تقديره فكذبوهم وجحدوا بآياتنا فاستحقوا العذاب ﴿فانتقمنا من الذين أجرموا﴾ أي عاقبناهم بتكذيبهم ﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾ معناه ودفعنا السوء والعذاب عن المؤمنين وكان واجبا علينا نصرهم بإعلاء الحجة ودفع الأعداء عنهم إلا أنه دل على المحذوف قوله ﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾ وجاءت الرواية عن أم الدرداء أنها قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ما من امرىء مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم قرأ ﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾ ثم قال سبحانه مفسرا لما أجمله في الآية المتقدمة ﴿الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا﴾ أي فتهيج سحابا فتزعجه ﴿فيبسطه﴾ الله ﴿في السماء كيف يشاء﴾ إن شاء بسطه مسيرة يوم وإن شاء بسطه مسيرة يومين ويجريها إلى أي جهة شاء وإلى أي بلد شاء ﴿ويجعله كسفا﴾ أي قطعا متفرقة عن قتادة وقيل متراكبا بعضه على بعض حتى يغلظ عن الجبائي وقيل قطعا تغطي ضوء الشمس عن أبي مسلم ﴿فترى الودق﴾ أي القطر ﴿يخرج من خلاله﴾ أي من خلال السحاب ﴿فإذا أصاب به﴾ أي بذلك الودق ﴿من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون﴾ أي يفرحون ويبشر بعضهم بعضا به ﴿وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين﴾ معناه وإنهم كانوا من قبل إنزال المطر عليهم قانطين آيسين من نزول المطر عن قتادة وكرر كلمة ﴿من قبل﴾ للتوكيد عن الأخفش وقيل إن الأول من قبل الإنزال للمطر والثاني من قبل الإرسال للرياح ﴿فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض﴾ حتى أنبت شجرا ومرعى ﴿بعد موتها﴾ أي بعد أن كانت مواتا يابسة جعل الله سبحانه اليبس والجدوبة بمنزلة الموت وظهور النبات فيها بمنزلة الحياة توسعا ﴿أن ذلك لمحي الموتى﴾ أي إن الله تعالى يفعل ما ترون وهو الله تعالى ليحيي الموتى في الآخرة بعد كونهم رفاتا ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ مر معناه.