الآيات 11-14

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿11﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿13﴾ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿14﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة لا يألتكم بالألف والباقون ﴿لا يلتكم﴾ بغير الألف.

الحجة:

قال أبو زيد ألته حقه يألته ألتا إذا نقصه وقوم يقولون لات يليت ليتا ويقال لت الرجل أليته ليتا إذا عميت عليه الخبر فأخبرته بغير ما يسألك عنه قال رؤبة:

وليلة ذات ندى سريت

ولم يلتني عن سراها

ليت وقوم يقولون ألاتني عن حقي وألاتني عن حاجتي أي صرفني عنها وحجة من قرأ لا يألتكم قوله تعالى ﴿وما ألتناهم﴾ ومن قرأ ﴿يلتكم﴾ جعله من لات يليت.

اللغة:

الهمز واللمز العيب والغض من الناس فاللمز هو الرمي بالعيب لمن لا يجوز أن يؤذى بذكره وهو المنهي عنه فأما ذكر عيب الفاسق فليس بلمز وقد ورد في الحديث قولوا في الفاسق ما فيه كي يحذره الناس والنبز القذف باللقب يقال نبزته أنبزه والغيبة أن تذكر الإنسان من ورائه بسوء هو فيه فإذا ذكرته بما ليس فيه فهو البهت والبهتان والشعوب الذي يصغر شأن العرب ولا يري لهم فضلا على غيرهم سموا بذلك لأنهم تأولوا ﴿وجعلناكم شعوبا﴾ على أن الشعوب من العجم كالقبائل من العرب وقال أبو عبيدة الشعوب العجم وأصله من التشعب وهو كثرة تفرقهم في النسب ويقال شعبته جمعته وشعبته فرقته وهو من الأضداد.

النزول:

نزل قوله ﴿لا يسخر قوم من قوم﴾ في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر وكان إذا دخل المسجد تفسحوا له حتى يقعد عند النبي فيسمع ما يقول فدخل المسجد يوما والناس قد فرغوا من الصلاة وأخذوا مكانهم فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا تفسحوا حتى انتهى إلى رجل فقال له أصبت مجلسا فاجلس فجلس خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة قال من هذا قال الرجل أنا فلان فقال ثابت ابن فلانة ذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه حياء فنزلت الآية عن ابن عباس وقوله ﴿ولا نساء من نساء﴾ نزل في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سخرن من أم سلمة عن أنس وذلك أنها ربطت حقويها بسبيبة وهي ثوب أبيض وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجره فقالت عائشة لحفصة انظري ما ذا تجر خلفها كأنه لسان كلب فلهذا كانت سخريتهما وقيل أنها عيرتها بالقصر وأشارت بيدها أنها قصيرة عن الحسن وقوله ﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾ نزل في رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اغتابا رفيقهما وهو سلمان بعثاه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليأتي لهما بطعام فبعثه إلى أسامة بن زيد وكان خازن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رحله فقال ما عندي شيء فعاد إليهما فقالا بخل أسامة وقالا لسلمان لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما قالا يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما قال ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة فنزلت الآية وعن أبي قلابة قال أن عمر بن الخطاب حدث أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحابه فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل فقال أبو محجن يا أمير المؤمنين أن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس فقال عمر ما يقول هذا قال زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم صدق يا أمير المؤمنين قال فخرج عمر وتركه وخرج عمر بن الخطاب أيضا ومعه عبد الرحمن بن عوف يعسان فتبينت لهما نار فأتيا واستأذنا ففتح الباب فدخلا فإذا رجل وامرأة تغني وعلى يد الرجل قدح فقال عمر من هذه منك قال امرأتي قال وما في هذا القدح قال ماء فقال للمرأة ما الذي تغنين قالت أقول:

تطاول هذا الليل وأسود جانبه

وأرقني ألا حبيب ألاعبه

فو الله لو لا خشية الله والتقى

لزعزع من هذا السرير جوانبه

ولكن عقلي والحياء يكفني

وأكرم بعلي أن تنال مراكبه

ثم قال الرجل ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين قال الله تعالى ﴿ولا تجسسوا﴾ فقال عمر صدقت وانصرف وقوله ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾ قيل نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقوله للرجل الذي لم يتفسح له ابن فلانة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) من الذاكر فلأنه فقام ثابت فقال أنا يا رسول الله فقال أنظر في وجوه القوم فنظر إليهم فقال ما رأيت يا ثابت قال رأيت أبيض وأسود وأحمر قال فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى والدين فنزلت هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس﴾ الآية عن ابن عباس وقيل لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن فقال عتاب بن أسيد الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم وقال الحرث بن هشام أ ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو أن يرد الله شيئا يغيره لغيره وقال أبو سفيان إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبره به رب السماوات فأتى جبرائيل (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره بما قالوا فدعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسألهم عما قالوا فأقروا به ونزلت الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والإزدراء بالفقر والتكاثر بالأموال عن مقاتل.

المعنى:

لما أمر سبحانه بإصلاح ذات البين ونهى عن التفرق عقب ذلك بالنهي عن أسباب الفرقة من السخرية والإزدراء بأهل الفقر والمسكنة ونحو ذلك فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم﴾ قال الخليل القوم يقع على الرجال دون النساء لقيام بعضهم مع بعض في الأمور قال زهير:

وما أدري ولست أخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

فالمعنى لا يسخر رجال من رجال والسخرية الاستهزاء قال مجاهد معناه لا يسخر غني من فقير لفقره وربما يكون الفقير المهين في ظاهر الحال خيرا وأجل منزلة عند الله من الغني الحسن الحال ولو سخر مؤمن من كافر احتقارا له لم يكن مأثوما وقال ابن زيد هذا نهي عن استهزاء المسلمين بمن أعلن بفسقه عسى أن يكون المسخور عند الله خيرا من الساخر معتقدا أو أسلم باطنا ﴿ولا نساء من نساء﴾ على المعنى الذي تقدم ﴿عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم﴾ أي لا يطعن بعضكم على بعض كما قال تعالى ولا تقتلوا أنفسكم لأن المؤمنين كنفس واحدة فكأنه إذا قتل أخاه قتل نفسه عن ابن عباس وقتادة واللمز العيب في المشهد والهمز العيب في المغيب وقيل أن اللمز يكون باللسان وبالعين وبالإشارة والهمز لا يكون إلا باللسان وقيل معناه ولا يلعن بعضكم بعضا عن الضحاك ﴿ولا تنابزوا بالألقاب﴾ جمع اللقب وهو اسم غير الذي سمي به الإنسان وقيل هو كل اسم لم يوضع له وإذا دعي به يكرهه فأما إذا كان لا يسوؤه ولا يكرهه فلا بأس فيه مثل الفقيه والقاضي وقيل هو قول الرجل للرجل يا كافر يا فاسق يا منافق عن قتادة وعكرمة وقيل كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد ذلك يا يهودي أو يا نصراني فنهوا عن ذلك عن الحسن وقيل هو أن يعمل إنسان شيئا من القبيح ثم يتوب منه فيعير بما سلف منه عن ابن عباس وروي أن صفية بنت حيي بن أخطب جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبكي فقال لها ما وراءك فقالت إن عائشة تعيرني وتقول يهودية بنت يهوديين فقال لها هلا قلت أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية عن ابن عباس ﴿بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان﴾ أي بئس الاسم أن يقول له يا يهودي يا نصراني وقد آمن عن الحسن وغيره والمعنى بئس الشيء تسميته باسم الفسوق يعني الكفر بعد الإيمان وقيل معناه بئس الشيء اكتساب اسم الفسوق باغتياب المسلمين ولمزهم وهذا لا يدل على أن اسم الإيمان والفسق لا يجتمعان لأن هذا كما يقال بئس الحال الفسوق بعد الشيب والمعنى بئس الحال الفسوق مع الشيب وبئس الاسم الفسوق مع الإيمان على أن الظاهر أن المعنى أن الفسوق الذي يتعقب الإيمان بئس الاسم وذلك هو الكفر ﴿ومن لم يتب﴾ من التنابز والمعاصي ويرجع إلى طاعة الله تعالى ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ نفوسهم بفعل ما يستحقون به العقاب ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن﴾ قال الزجاج هو أن يظن بأهل الخير سوء فأما أهل السوء والفسق فلنا أن نظن بهم مثل ما ظهر منهم وقيل هو أن يظن بأخيه المسلم سوءا ولا بأس به ما لم يتكلم به فإن تكلم بذلك الظن وأبداه أثم وهو قوله ﴿إن بعض الظن إثم﴾ يعني ما أعلنه مما ظن بأخيه عن المقاتلين وقيل إنما قال كثيرا من الظن لأن من جملته ما يجب العمل به ولا يجوز مخالفته وإنما يكون إثما إذا فعله صاحبه وله الطريق إلى العلم بدلا منه فهذا ظن محرم لا يجوز فعله فأما ما لا سبيل إلى دفعه بالعلم بدلا منه فليس بإثم ولذلك قال ﴿بعض الظن إثم﴾ دون جميعه والظن المحمود قد بينه الله تعالى ودل عليه بقوله ﴿لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا﴾ وقيل معناه يجب على المؤمن أن يحسن الظن ولا يسيئه في شيء يجد له تأويلا جميلا وإن كان ظاهرا قبيحا ﴿ولا تجسسوا﴾ أي ولا تتبعوا عثرات المؤمنين عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وقال أبو عبيدة التجسس والتحسس واحد وروي في الشواذ عن ابن عباس ولا تحسسوا بالحاء قال الأخفش وليس يبعد أحدهما عن الآخر إلا أن التجسس عما يكتم ومنه الجاسوس والتحسس بالحاء البحث عما تعرفه وقيل إن التجسس بالجيم في الشر والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر الخير وقيل معناه لا تتبعوا عيوب المسلمين لتهتكوا العيوب التي سترها أهلها وقيل معناه ولا تبحثوا عما خفي حتى يظهر عن الأوزاعي وفي الحديث إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تنابزوا وكونوا عباد الله إخوانا وقوله ﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾ الغيبة ذكر العيب بظهر الغيب على وجه تمنع الحكمة منه وفي الحديث إذا ذكرت الرجل بما فيه مما يكرهه الله فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته وعن جابر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا ثم قال أن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه ثم ضرب سبحانه للغيبة مثلا فقال ﴿أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا﴾ وتأويله إن ذكرك بالسوء من لم يحضرك بمنزلة أن تأكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك عن الزجاج ولما قيل لهم أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا لا فقيل ﴿فكرهتموه﴾ أي فكما كرهتم ذلك فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا عن مجاهد وقيل فكما كرهتم لحمه ميتا فاكرهوا غيبته حيا عن الحسن فهذا هو تقدير الكلام وقوله ﴿واتقوا الله﴾ معطوف على هذا الفعل المقدر ومثله أ لم نشرح لك صدرك ووضعنا أي وقد شرحنا ووضعنا ويقال للمغتاب فلان يأكل لحوم الناس قال:

وليس الذئب يأكل لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضا عيانا

وقال آخر:

فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وقال قتادة كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا لكراهية الطبع كذلك يجب أن يمتنع عن غيبته لكراهية العقل والشرع لأن دواعي العقل والشرع أحق بالإتباع من دواعي الطبع فإن داعي الطبع أعمى وداعي العقل بصير وعن ميمون بن شاة وكان يفضل على الحسن لأنه قد لقي من لم يلقه الحسن قال بينا أنا نائم إذا بجيفة زنجي وقائل يقول لي كل يا عبد الله قلت ولم آكل قال بما اغتيب عندك فلان قلت والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا قال لكنك استمعت فرضيت وكان ميمون بعد ذلك لا يدع أن يغتاب عنده واحد وقال رجل لابن سيرين إني قد اغتبتك فاجعلني في حل قال إني أكره أن أحل ما حرم الله ﴿إن الله تواب﴾ قابل التوبة ﴿رحيم﴾ بالمؤمنين ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾ أي من آدم وحواء والمعنى أنكم متساوون في النسب لأن كلكم يرجع في النسب إلى آدم وحواء زجر الله سبحانه عن التفاخر بالأنساب وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إنما أنتم من رجل وامرأة كجمام الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى ثم ذكر سبحانه أنه إنما فرق أنساب الناس ليتعارفوا لا ليتفاخروا فقال ﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل﴾ وهي جمع شعب وهو الحي العظيم مثل مضر وربيعة وقبائل هي دون الشعوب كبكر من ربيعة وتميم من مضر هذا قول أكثر المفسرين وقيل الشعوب دون القبائل وإنما سميت بذلك لتشعبها وتفرقها عن الحسن وقيل أراد بالشعوب الموالي وبالقبائل العرب في رواية عطا عن ابن عباس وإلى هذا ذهب قوم فقالوا الشعوب من العجم والقبائل من العرب والأسباط من بني إسرائيل وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام) ﴿لتعارفوا﴾ أي جعلناكم كذلك لتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا بنسبه وأبيه وقومه ولو لا ذلك لفسدت المعاملات وخربت الدنيا ولما أمكن نقل حديث ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ أي إن أكثركم ثوابا وأرفعكم منزلة عند الله أتقاكم لمعاصيه وأعملكم بطاعته وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال يقول الله تعالى يوم القيامة أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه ورفعتم أنسابكم فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم أين المتقون ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ وروي أن رجلا سأل عيسى بن مريم أي الناس أفضل فأخذ قبضتين من تراب فقال أي هاتين أفضل الناس خلقوا من تراب فأكرمهم أتقاهم أبو بكر البيهقي بالإسناد عن عباية بن ربعي عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عز وجل جعل الخلق قسمين فجعلني في خيرهم قسما وذلك قوله ﴿وأصحاب اليمين﴾ و﴿أصحاب الشمال﴾ فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا وذلك قوله ﴿فأصحاب الميمنة﴾ و﴿أصحاب المشأمة﴾ و﴿السابقون السابقون﴾ فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله ﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل﴾ الآية فإني أتقي ولد آدم ولا فخر وأكرمهم على الله ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا وذلك قوله عز وجل ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب ﴿إن الله عليم﴾ بأعمالكم ﴿خبير﴾ بأحوالكم لا يخفى عليه شيء من ذلك ﴿قالت الأعراب آمنا﴾ وهم قوم من بني أسد أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنة جدية وأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر إنما كانوا يطلبون الصدقة والمعنى أنهم قالوا صدقنا بما جئت به فأمره الله سبحانه أن يخبرهم بذلك ليكون آية معجزة له فقال ﴿قل لم تؤمنوا﴾ أي لم تصدقوا على الحقيقة في الباطن ﴿ولكن قولوا أسلمنا﴾ أي أنقدنا واستسلمنا مخافة السبي والقتل عن سعيد بن جبير وابن زيد ثم بين سبحانه أن الإيمان محله القلب دون اللسان فقال ﴿ولما يدخل الإيمان في قلوبكم﴾ قال الزجاج الإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول وبذلك يحقن الدم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن المسلم حقا فأما من أظهر قبول الشريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم وباطنه غير مصدق وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله ﴿ولما يدخل الإيمان في قلوبكم﴾ أي لم تصدقوا بعد بما أسلمتم تعوذا من القتل فالمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر والمسلم التام الإسلام مظهر للطاعة وهو مع ذلك مؤمن بها والذي أظهر الإسلام تعوذا من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين وروى أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الإسلام علانية والإيمان في القلب وأشار إلى صدره ﴿وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا﴾ أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا عن ابن عباس ومقاتل ﴿إن الله غفور رحيم﴾.