الآيات 51-59

يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿41﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿42﴾ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ﴿43﴾ طَعَامُ الْأَثِيمِ ﴿44﴾ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴿45﴾ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴿46﴾ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ﴿47﴾ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴿48﴾ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴿49﴾ إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ ﴿50﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر في مقام بالضم والباقون ﴿في مقام﴾ بالفتح.

الحجة:

من فتح الميم أراد به المجلس والمشهد كما قال في مقعد صدق ووصفه بالأمن يقوي أن المراد به المكان ومن ضم فإنه يحتمل أن يريد به المكان من أقام فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا ويجوز أن يجعله مصدرا ويقدر المضاف محذوفا أي موضع إقامة.

اللغة:

السندس الحرير والإستبرق الديباج الغليظ الصفيق قال الزجاج إنما قيل له استبرق لشدة بريقه والحور جمع حوراء من الحور وهو شدة البياض وهن البيض الوجوه وقال أبو عبيدة الحوراء الشديدة بياض العين الشديدة سوادها والعين جمع العيناء وهي العظيمة العينين.

الإعراب:

كذلك جار ومجرور في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ التقدير الأمر كذلك متقابلين نصب على الحال من يلبسون ويلبسون يجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويجوز أن يكون حالا من الظرف الذي هو قوله ﴿في مقام﴾ لأن التقدير أن المتقين ثبتوا في مقام ومفعول يلبسون محذوف وتقديره يلبسون ثيابا من سندس فآمنين حال من يدعون الموتة الأولى نصب على الاستثناء قال الزجاج معناه سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا كقوله ﴿ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف﴾ المعنى سوى ما قد سلف وأقول إن سوى لا يكون إلا ظرفا وإلا حرف فكيف يكون بمعناه فالأولى أن يكون إلا هنا مع ما بعدها صفة أو بدلا بمعنى غير تقديره ولا يذوقون فيها الموت غير الموتة الأولى إذ الموتة الأولى وقد انقضت فلا يمكن أن يستثني من الموت الذي لا يذوقونه في الجنة إذ ليست بداخلة فيه وقوله ﴿فضلا من ربك﴾ مفعول له تقديره فعل الله ذلك بهم فضلا منه وتفضلا منه ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر تقديره وأعطاهم فضلا ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لما قبله لأن ما ذكره قبله تفضل منه سبحانه كقول امرء القيس:

ورضت فذلت صعبة أي إذلال على معنى أذللته أي إذلال فاستغنى عن أذللته بذكر رضت.

المعنى:

ثم عقب سبحانه الوعيد بذكر الوعد فقال ﴿إن المتقين﴾ الذين يجتنبون معاصي الله لكونها قبائح ويفعلون الطاعات لكونها طاعات ﴿في مقام أمين﴾ أمنوا فيه الغير من الموت والحوادث وقيل أمنوا فيه من الشيطان والأحزان عن قتادة ﴿في جنات وعيون﴾ أي بساتين وعيون ماء نابعة فيها ﴿يلبسون من سندس واستبرق﴾ خاطب العرب فوعدهم من الثياب بما عظم عندهم واشتهته أنفسهم وقيل السندس ما يلبسونه والإستبرق ما يفترشونه ﴿متقابلين﴾ في المجالس لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض بل يقابل بعضا وقيل معناه متقابلين بالمحبة لا متدابرين بالبغضة ﴿كذلك﴾ حال أهل الجنة ﴿وزوجناهم بحور عين﴾ قال الأخفش المراد به التزويج المعروف يقال زوجته امرأة وبامرأة وقال غيره لا يكون في الجنة تزويج والمعنى وقرناهم بحور عين ﴿يدعون فيها بكل فاكهة آمنين﴾ أي يستدعون فيها أي ثمرة شاءوا واشتهوا غير خائفين فوتها آمنين من نفادها ومضرتها وقيل آمنين من التخم والأسقام والأوجاع ﴿لا يذوقون فيها الموت﴾ شبه الموت بالطعام الذي يذاق ويتكره عند المذاق ثم نفى أن يكون ذلك في الجنة وإنما خصهم بأنهم لا يذوقون الموت مع أن جميع أهل الآخرة لا يذوقون الموت لما في ذلك من البشارة لهم بالحياة الهنيئة في الجنة فأما من يكون فيما هو كالموت في الشدة فإنه لا يطلق له هذه الصفة لأنه يموت موتات كثيرة بما يقاسيه من العقوبة ﴿إلا الموتة الأولى﴾ قيل معناه بعد الموتة الأولى وقيل معناه لكن الموتة الأولى قد ذاقوها وقيل سوى الموتة الأولى وقد بينا ما عندنا فيه ﴿ووقيهم عذاب الجحيم﴾ أي فصرف عنهم عذاب النار.

استدلت المعتزلة بهذا على أن الفاسق الملي لا يخرج من النار لأنه يكون قد وقى النار والجواب عن ذلك أن هذه الآية يجوز أن تكون مختصة بمن لا يستحق دخول النار فلا يدخلها أو بمن استحق النار فتفضل عليه بالعفو فلم يدخلها ويجوز أن يكون المراد ووقاهم عذاب الجحيم على وجه التأبيد أو على الوجه الذي يعذب عليه الكفار ﴿فضلا من ربك﴾ أي فعل الله ذلك بهم تفضلا منه لأنه سبحانه خلقهم وأنعم عليهم وركب فيهم العقل وكلفهم وبين لهم من الآيات ما استدلوا به على وحدانية الله تعالى وحسن الطاعات فاستحقوا به النعم العظيمة ثم جزاهم بالحسنة عشر أمثالها فكان ذلك فضلا منه عز اسمه وقيل إنما سماه فضلا وإن كان مستحقا لأن سبب الاستحقاق هو التكليف والتمكين وهو فضل منه سبحانه ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾ أي الظفر بالمطلوب العظيم الشأن ﴿فإنما يسرناه بلسانك﴾ أي سهلنا القرآن فالهاء كناية عن غير مذكور والمعنى هونا القرآن على لسانك ويسرنا قراءته عليك وقيل معناه جعلنا القرآن عربيا ليسهل عليك وعلى قومك تفهمه ﴿لعلهم يتذكرون﴾ أي ليتذكروا ما فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد ويتفكروا فيه ﴿فارتقب إنهم مرتقبون﴾ أي فإن أعرضوا ولم يقبلوا فانتظر مجيء ما وعدناك به إنهم منتظرون لأنهم في حكم من ينتظر لأن المحسن يترقب عاقبة الإحسان والمسيء يترقب عاقبة الإساءة وقيل معناه انتظر بهم عذاب الله فإنهم ينتظرون بك الدوائر وقيل انتظر قهرهم ونصرك عليهم فإنهم منتظرون قهرك بزعمهم.