الآيات 41-50

يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿41﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿42﴾ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ﴿43﴾ طَعَامُ الْأَثِيمِ ﴿44﴾ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴿45﴾ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴿46﴾ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ﴿47﴾ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴿48﴾ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴿49﴾ إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ ﴿50﴾

القراءة:

قرأ أهل مكة وحفص ورويس ﴿يغلي﴾ بالياء والباقون تغلي بالتاء وقرأ أهل الكوفة وأبو جعفر وأبو عمرو فاعتلوه بكسر التاء والباقون بضمها وقرأ الكسائي وحده ذق أنك بفتح الهمزة والباقون ﴿إنك﴾ بكسرها.

الحجة:

من قرأ تغلي بالتاء فعلى الشجرة كان الشجرة تغلي ومن قرأ بالياء حمله على الطعام وهو الشجرة في المعنى ويعتل ويعتل مثل يعكف ويعكف ويفسق ويفسق في أنهما لغتان ومعنى فاعتلوه قودوه بعنف ومن قرأ ﴿إنك﴾ بالكسر فالمعنى إنك أنت العزيز الكريم في زعمك فأجرى ذلك على حسب ما كان يذكره أو يذكر به ومن قرأ أنك بالفتح فالمعنى ذق بأنك.

المعنى:

لما ذكر سبحانه أن يوم الفصل ميقات الخلق يحشرهم فيه بين أي يوم هو فقال ﴿يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا﴾ فالمولى الصاحب الذي من شأنه أن يتولى معونة صاحبه على أموره فيدخل في ذلك ابن العم والناصر والحليف وغيرهم ممن هذه صفته والمعنى أن ذلك اليوم يوم لا يغني فيه ولي عن ولي شيئا ولا يدفع عنه عذاب الله تعالى ﴿ولا هم ينصرون﴾ وهذا لا ينافي ما يذهب إليه أكثر الأمة من إثبات الشفاعة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) والمؤمنين لأن الشفاعة لا تحصل إلا بأمر الله تعالى وإذنه والمراد بالآية أنه ليس لهم من يدفع عنهم عذاب الله وينصرهم من غير أن يأذن الله له فيه وقد بين ما أشرنا إليه باستثنائه من رحمه منهم فقال ﴿إلا من رحم الله﴾ أي إلا الذين رحمهم الله من المؤمنين فإنه إما أن يسقط عقابهم ابتداء أو يأذن بالشفاعة فيهم لمن علت درجته عنده فيسقط عقاب المشفوع له لشفاعته ﴿إنه هو العزيز﴾ في انتقاله من أعدائه ﴿الرحيم﴾ بالمؤمنين ثم وصف سبحانه ما يفصل به بين الفريقين فقال ﴿إن شجرت الزقوم﴾ وقد مر تفسيره في سورة الصافات ﴿طعام الأثيم﴾ أي الآثم وهو أبو جهل وروي أن أبا جهل أتى بتمر وزبد فجمع بينهما وأكل وقال هذا هو الزقوم الذي يخوفنا محمد به نحن نتزقمه أي نملأ أفواهنا به فقال سبحانه ﴿كالمهل﴾ وهو المذاب من النحاس أو الرصاص أو الذهب أو الفضة وقيل هو دردي الزيت ﴿يغلي في البطون كغلي الحميم﴾ أي إذا حصلت في أجواف أهل النار تغلي كغلي الماء الحار الشديد الحرارة قال أبو علي الفارسي لا يجوز أن يكون المعنى يغلي المهل في البطون لأن المهل إنما ذكر للتشبيه به في الذوب أ لا ترى أن المهل لا يغلي في البطون وإنما يغلي ما شبع به ﴿خذوه﴾ أي يقال للزبانية خذوا الأثيم ﴿فاعتلوه﴾ أي زعزعوه وادفعوه بعنف ومنه قول الشاعر:

فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه

ببطن الثرى مثل الفنيق المسدم

وقيل معناه جروه على وجهه عن مجاهد ﴿إلى سواء الجحيم﴾ أي إلى وسط النار عن قتادة وسمي وسط الشيء سواء لاستواء المسافة بينه وبين أطرافه المحيطة به والسواء العدل ﴿ثم صبوا فوق رأسه﴾ قال مقاتل إن خازن النار يمر به على رأسه فيذهب رأسه عن دماغه ثم يصب فيه ﴿من عذاب الحميم﴾ وهو الماء الذي قد انتهى حره ويقول له ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ وذلك أنه كان يقول أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم فيقول له الملك ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك وفيما كنت تقول وقيل إنه على معنى النقيض فكأنه قيل إنك أنت الذليل المهين إلا أنه قيل على هذا الوجه للاستخفاف به وقيل معناه إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم فما أغنى ذلك عنك ﴿إن هذا ما كنتم به تمترون﴾ أي ثم يقال لهم إن هذا لعذاب ما كنتم تشكون فيه في دار الدنيا.