الآيات 1-3

إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿1﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿2﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿3﴾

الإعراب:

مفعول جاء محذوف والتقدير إذا جاءك نصر الله وجواب إذا محذوف والتقدير إذا جاء نصر الله حضر أجلك وقيل جوابه الفاء في قوله فسبح وأفواجا منصوب على الحال.

المعنى:

﴿إذا جاء﴾ يا محمد ﴿نصر الله﴾ على من عاداك وهم قريش ﴿والفتح﴾ فتح مكة وهذه بشارة من الله سبحانه لنبيه (صل الله عليه وآله وسلم) بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر ﴿ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا﴾ أي جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة والمراد بالدين الإسلام والتزام أحكامه واعتقاد صحته وتوطين النفس على العمل به قال الحسن: لما فتح رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد (صل الله عليه وآله وسلم) بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان أي طاقة فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا أو اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام وقيل في دين الله أي في طاعة الله وطاعتك وأصل الدين الجزاء ثم يعبر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء كما قال سبحانه في دين الملك أي في طاعته ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾ هذا أمر من الله سبحانه بأن ينزه عمالا يليق به من صفات النقص وأن يستغفره ووجه وجوب ذلك بالنصر والفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها وهو شكر المنعم وتعظيمه والائتمار بأوامره والانتهاء عن معاصيه فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الشكر والاستغفار وإن لم يكن ثم ذنب فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله عز وجل ﴿إنه كان توابا﴾ يقبل توبة من بقي كما قبل توبة من مضى قال مقاتل لما نزلت هذه السورة قرأها (صل الله عليه وآله وسلم) على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال (صل الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك يا عم فقال أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال: إنه لكما تقول فعاش بعدها سنتين ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا قال وهذه السورة تسمى سورة التوديع وقال ابن عباس: لما نزلت إذا جاء نصر الله قال: نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة واختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي فقيل لأن التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لاحق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل وعند الكمال يرقب الزوال كما قيل إذا تم أمر بدا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم وقيل لأنه سبحانه أمره بتجديد التوحيد واستدراك الفائت بالاستغفار وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار وعن عبد الله مسعود قال: لما نزلت السورة كان النبي (صل الله عليه وآله وسلم) يقول كثيرا سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) بالآخرة لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال (صل الله عليه وآله وسلم) إني أمرت بها ثم قرأ إذا جاء نصر الله والفتح وفي رواية عائشة: أنه كان يقول سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك.

حديث فتح مكة:

لما صالح رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) قريشا عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) أدخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) ودخلت بنو بكر في عقد قريش وكان بين القبيلتين شر قديم ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا وكان ممن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو فركب عمر وبن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهراني القوم فقال:

لا هم إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وقتلونا ركعا وسجدا

فقال رسول الله: حسبك يا عمر وثم قام فدخل دار ميمونة وقال: اسكبي لي ماء فجعل يغتسل وهو يقول لا نصرت أن لم أنصر بني كعب وهم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد كان (صل الله عليه وآله وسلم) قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة وسيلقى بديل بن ورقاء فلقوا أبا سفيان بعسفان وقد بعثته قريش إلى النبي (صل الله عليه وآله وسلم) ليشدد العقد فلما لقي أبو سفيان بديلا قال: من أين أقبلت يا بديل قال: سرت في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي قال: ما أتيت محمدا قال: لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته وأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله تعالى لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد احقن دم قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدة فقال (صل الله عليه وآله وسلم): أغدرتم يا أبا سفيان قال: لا قال (صل الله عليه وآله وسلم): فنحن على ما كنا عليه فخرج فلقي أبا بكر فقال: أجر بين قريش قال: ويحك واحد يجير على رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال: يا بنية أرغب بهذا الفراش عني فقالت نعم هذا فراش رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك ثم خرج فدخل على فاطمة (عليها السلام) فقال: يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس فقالت: جواري جوار رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) قال: أتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس قالت: والله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس وما يجير على رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) أحد فقال: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقال علي (عليه السلام): إنك شيخ قريش فقم على باب المسجد وأجر بين قريش ثم الحق بإرضك قال وترى ذلك مغنيا عني شيئا قال: لا والله ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا ما وراك فأخبرهم بالقصة فقالوا: والله إن زاد علي بن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت قال: لا والله ما وجدت غير ذلك قال: فأمر رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) بالجهاز لحرب مكة وأمر الناس بالتهيئة وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) الخبر من السماء فبعث عليا (عليه السلام) والزبير حتى أخذ كتابه من المرأة وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة ثم استخلف رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) أبا ذر الغفاري وخرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين ونحو من أربعمائة فارس ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه فلم يأذن لهما فكلمته أم سلمة فيهما فقالت: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال: لا حاجة لي فيهما أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بني له فقال: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا فلما بلغ ذلك رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) رق لهما فأذن لهما فدخلا عليه فأسلما فلما نزل رسول الله مر الظهران وقد غمت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) خبر خرج في تلك الليلة أبوسفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار وقد قال العباس ليلتئذ يا سوء صباح قريش والله لئن بغتها رسول الله في بلادها فدخل مكة عنوة أنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله وقال أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فنخبرهم بمكان رسول الله فيأتونه فيستأمنونه قال العباس: فو الله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وسمعت أبا سفيان يقول: والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا فقال بديل: هذه نيران خزاعة فقال أبو سفيان: خزاعة الأم من ذلك قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان فقال أبو الفضل فقلت نعم قال لبيك فداك أبي وأمي ما وراك فقلت هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال فما تأمرني فقلت تركب عجز هذه البغلة فاستأمن لك رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) فو الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا هذا عم رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال يعني عمر يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ثم اشتد نحو رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء فدخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم إني جلست إلى رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وأخذت برأسه وقلت والله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت مهلا يا عمر فو الله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف ولو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم فقال (صل الله عليه وآله وسلم) اذهب فقد أمناه حتى تغدوبه علي في الغداة قال: فلما أصبح غدوت به على رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله فقال بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أحد فقال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله فقال بأبي أنت وأمي أما هذه فإن في النفس منها شيئا قال العباس فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك فتشهد فقال (صل الله عليه وآله وسلم) للعباس انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى تمر عليه جنود الله قال: فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي ومر عليه القبائل قبيلة قبيلة وهو يقول من هؤلاء وأقول أسلم وجهينة وفلان حتى مر رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل قلت هذا رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) في المهاجرين والأنصار فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقلت ويحك إنها النبوة فقال نعم إذا وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وأسلما وبايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام وقال من دخل دار أبي سفيان وهي بأعلى مكة فهو آمن ومن دخل دار حكيم وهي بأسفل مكة فهو آمن ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) عامدين إلى مكة بعث في إثرهما الزبير بن العوام وأمره على خيل المهاجرين وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون وقال له لا تبرح حتى آتيك ثم دخل رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) مكة وضربت هناك خيمته وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضائه وبني سليم وأمره أن يدخل أسفل مكة ويغرز رايته دون البيوت وأمرهم رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) جميعا أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم وأمرهم بقتل أربعة نفر عبد الله بن سعد بن أبي سرح والحويرث بن نفيل وابن خطل ومقبس بن ضبابة وأمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فقتل علي (عليه السلام) الحويرث بن نفيل وإحدى القينتين وأفلتت الأخرى وقتل مقبس بن ضبابة في السوق وأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا فقتله قال وسعى أبو سفيان إلى رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وأخذ غرزه أي ركابه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي أما تسمع ما يقول سعد إنه يقول اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة فقال (صل الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أدركه فخذ الراية منه وكن أنت الذي يدخل بها وأدخلها إدخالا رفيقا فأخذها علي (عليه السلام) وأدخلها كما أمر ولما دخل رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) مكة دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم وأتى رسول الله ووقف قائما على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا أن كل مال أو مأثرة ودم تدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ألا أن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها ولا يقطع شجرها ولا يفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ثم قال ألا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وآذيتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم فكأنما أنشروا من القبور ودخلوا في الإسلام وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة فكانوا له فيئا فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء وجاء ابن الزبعري إلى رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وأسلم وقال:

يا رسول الإله إن لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

إذ أباري الشيطان في سنن الغي

ومن مال ميلة مثبور

أمن اللحم والعظام لربي

ثم نفسي الشهيد أنت النذير

وعن ابن مسعود قال: دخل النبي (صل الله عليه وآله وسلم) يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وعن ابن عباس قال: لما قدم النبي (صل الله عليه وآله وسلم) إلى مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت صورة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وفي أيديهما الأزلام فقال (صل الله عليه وآله وسلم): قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط.