الآيات 1-25
إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ ﴿1﴾ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴿2﴾ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ﴿3﴾ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴿4﴾ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴿5﴾ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴿6﴾ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴿7﴾ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴿8﴾ وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴿9﴾ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ ﴿10﴾ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ﴿11﴾ وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴿12﴾ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴿13﴾ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴿14﴾ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴿15﴾ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ﴿16﴾ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ﴿17﴾ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴿18﴾ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴿19﴾ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿20﴾ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ﴿21﴾ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ﴿22﴾ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ ﴿23﴾ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿24﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴿25﴾
القراءة:
قرأ أبو جعفر وأهل العراق غير الكسائي ﴿يصلى﴾ بالتخفيف بفتح الياء والباقون يصلى بضم الياء والتشديد وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة غير عاصم لتركبن بفتح الباء والباقون بضم الباء.
الحجة:
قال أبو علي حجة يصلى مشددة اللام ثم الجحيم صلوه وحجة ﴿يصلى﴾ وسيصلون سعيرا اصلوها اليوم وهذا كثير في التنزيل وحجة ﴿لتركبن﴾ قول ابن عباس لتركبن السماء حالا بعد حال مرة كالمهل ومرة كالدهان وابن مسعود لتركبن يا محمد طبقا عن طبق ومجاهد لتركبن أمرا بعد أمر والحسن أي حالا عن حال ومنزلا عن منزل أبو عبيدة لتركبن سنة من كان قبلكم أبو علي من فتح الباء أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ضم الباء أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغيره والضم يأتي على معنى المفتوحة وفسروا طبقا عن طبق حالا بعد حال ومثل ما فسروا من أن معنى عن معنى بعد قول الأعشى:
ساد وألفى رهطه سادة
وكابرا سادوك عن كابر
المعنى كابرا بعد كابر فعن متعلق بسادوك ولا يكون متعلقا بكابر وقد بينوا ذلك في قول النابغة:
بقية قدر من قدور تورثت
لآل الجلاح كابرا بعد كابر
و قالوا عرق عن الحمى أي بعدها.
اللغة:
الانشقاق افتراق امتداد عن التئام فكل انشقاق افتراق وليس كل افتراق انشقاقا والأذن الاستماع تقول العرب أذن لك هذا الأمر أذنا بمعنى استمع لك قال عدي بن زيد:
في سماع يأذن الشيخ له
وحديث مثل ماذي مشار
وقال أيضا:
أيها القلب تعلل بددن
إن همي في سماع وأذن
وقال آخر:
وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا والكدح السعي الشديد في الأمر والدأب في العمل ويقال كدح الإنسان في عمله يكدح وثور فيه كدوح أي آثار من شدة السعي قال ابن مقبل:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
والحور الرجوع حار يحور إذا رجع وكلمته فما حار جوابا أي ما رد جوابا ونعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة والتمام وحوره إذا رده إلى البياض والمحور البكرة تدور حتى ترجع إلى مكانها والشفق هو الحمرة بين المغرب والعشاء الآخرة وهو قول مالك والشافعي والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وهو قول الخليل وهو المروي عن أئمة الهدى (عليهم السلام) وقال ثعلب هو البياض وهو قول أبي حنيفة قال الفراء سمعت بعض العرب تقول الثوب أحمر كأنه الشفق وقال الشاعر:
أحمر اللون كمحمر الشفق
وقال آخر:
قم يا غلام أعني غير محتشم
على الزمان بكأس حشوها شفق
وأصل الشفق الرقة ومثله التشفيق وهو الرقة على خلل فيه وأشفق على كذا إذا رق عليه وخاف هلاكه وثوب شفق رقيق فالشفق هو الحمرة الرقيقة في المغرب بعد مغيب الشمس والوسق الجمع وسقته أسقه إذا جمعته وطعام موسوق أي مجموع والوسق الطعام المجتمع الكثير مما يكال أو يوزن ومقداره ستون صاعا والاتساق الاجتماع على تمام افتعال من الوسق وأصل الطبق الحال والعرب تسمي الدواهي أم طبق وبنات طبق قال قد طرقت ببكرها أم طبق وقال في أن الطبق الحال:
الصبر أحمد والدنيا مفجعة
من ذا الذي لم يذق من عيشه رنقا
إذا صفا لك من مسرورها طبق
أهدى لك الدهر من مكروهها طبقا
وقال آخر:
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره
وساقني طبق منه إلى طبق
فلست أصبو إلى خل يفارقني
ولا تقبض أحشائي من الفرق
الإعراب:
قال الزجاج جواب إذا يدل عليه قوله ﴿فملاقيه﴾ والمعنى إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله والهاء في قوله ﴿فملاقيه﴾ يجوز أن يكون تقديره فملاق ربك ويجوز أن يكون فملاق كدحك أي عملك وسعيك وقوله ﴿كادح إلى ربك كدحا﴾ قيل إن إلى هنا بمعنى اللام والوجه الصحيح فيه أن يكون محمولا على المعنى لأن معناه ساع إلى ربك سعيا على أنه يحتمل أن يكون إلى متعلقة بمحذوف ويكون التقدير إنك كادح لنفسك صائر إلى ربك كما أن قوله ﴿وتبتل إليه﴾ يكون على معنى تبتل من الخلق راجعا إلى الله تعالى أو راغبا إليه وقوله ﴿يدعو ثبورا﴾ معناه أنه يقول يا ثبوراه فكأنه يدعوه ويقول يا ثبور تعال فهذا أوانك مثل ما قيل في يا حسرتي فعلى هذا يكون ثبورا مفعولا به ﴿أن لن يحور﴾ تقديره أنه لن يحور فهي مخففة من الثقيلة ولا يجوز أن تكون أن الناصبة للفعل لأنه لا يجوز أن يجتمع عاملان على كلمة واحدة وقوله ﴿فما لهم﴾ مبتدأ وخبر و﴿لا يؤمنون﴾ جملة منصوبة الموضع على الحال والتقدير أي شيء استقر لهم غير مؤمنين.
المعنى:
﴿إذا السماء انشقت﴾ أي تصدعت وانفرجت وانشقاقها من علامات القيامة وذكر ذلك في مواضع من القرآن ﴿وأذنت لربها﴾ أي سمعت وأطاعت في الانشقاق عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وهذا توسع أي كأنها سمعت وانقادت لتدبير الله ﴿وحقت﴾ أي وحق لها أن تأذن بالانقياد لأمر ربها الذي خلقها وتطيع له ﴿وإذا الأرض مدت﴾ أي بسطت باندكاك جبالها وآكامها حتى تصير كالصحيفة الملساء وقيل إنها تمد مد الأديم العكاظي وتزاد في سعتها عن ابن عباس وقيل سويت فلا بناء ولا جبل إلا دخل فيها عن مقاتل ﴿وألقت ما فيها﴾ من الموتى والكنوز مثل وأخرجت الأرض أثقالها عن قتادة ومجاهد ﴿وتخلت﴾ أي خلت فلم يبق في بطنها شيء وقيل معناه ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها وتخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها ﴿وأذنت لربها وحقت﴾ ليس هذا بتكرار لأن الأول في صفة السماء والثاني في صفة الأرض وهذا كله من أشراط الساعة وجلائل الأمور التي تكون فيها والتقدير إذا كانت هذه الأشياء التي ذكرناها وعددناها رأي الإنسان ما قدم من خير أو شر ويدل على هذا المحذوف قوله ﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا﴾ أي ساع إليه في عملك وقوله ﴿يا أيها الإنسان﴾ خطاب لجميع المكلفين من ولد آدم يقول الله لهم سبحانه ولكل واحد منهم يا أيها الإنسان إنك عامل عملا في مشقة لتحمله إلى الله وتوصله إليه ﴿فملاقيه﴾ أي ملاق جزاءه جعل لقاء جزاء العمل لقاء له تفخيما لشأنه وقيل معناه ملاق ربك أي صائر إلى حكمه حيث لا حكم إلا حكمه وقال ابن الأنباري والبلخي جواب إذا قوله ﴿أذنت لربها وحقت﴾ والواو زائدة كقوله ﴿حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها﴾ وهذا ضعيف والأول هو الوجه ثم قسم سبحانه أحوال لخلق يوم القيامة فقال ﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه﴾ أي من أعطي كتابه الذي ثبت فيه أعماله من طاعة أو معصية بيده اليمني ﴿فسوف يحاسب حسابا يسيرا﴾ يريد أنه لا يناقش في الحساب ولا يواقف على ما عمل من الحسنات وما له عليها من الثواب وما حط عنه من الأوزار إما بالتوبة أو بالعفو وقيل الحساب اليسير التجاوز عن السيئات والإثابة على الحسنات ومن نوقش الحساب عذب في خبر مرفوع وفي رواية أخرى يعرف عمله ثم يتجاوز عنه وفي حديث آخر ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا وأدخله الجنة برحمته قالوا وما هي يا رسول الله قال تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك ﴿وينقلب﴾ بعد الفراغ من الحساب ﴿إلى أهله مسرورا﴾ بما أوتي من الخير والكرامة والمراد بالأهل هنا ما أعد الله له من الحور العين وقيل أهله أزواجه وأولاده وعشائره وقد سبقوه إلى الجنة والسرور هو الاعتقاد والعلم بوصول نفع إليه أو دفع ضرر عنه في المستقبل وقال قوم هو معنى في القلب يلتذ لأجله بنيل المشتهى يقال سر بكذا من مال أو ولد أو بلوغ أمل فهو مسرور ﴿وأما من أوتي كتابه وراء ظهره﴾ لأن يمينه مغلولة إلى عنقه وتكون يده اليسرى خلف ظهره عن الكلبي وقيل تخلع يده اليسرى خلف ظهره عن مقاتل والوجه في ذلك أن تكون إعطاء الكتاب باليمين أمارة للملائكة والمؤمنين لكون صاحبه من أهل الجنة ولطفا للخلق في الأخبارية وكناية عن قبول أعماله وإعطاؤه على الوجه الآخر أمارة لهم على أن صاحبه من أهل النار وعلامة المناقشة في الحساب وسوء المآب ثم حكى سبحانه ما يحل به فقال ﴿فسوف يدعو ثبورا﴾ أي هلاكا إذا قرأ كتابه وهو أن يقول وا ثبوراه وا هلاكاه ﴿و يصلى سعيرا﴾ أي يدخل النار ويعذب بها عن الجبائي وقيل يصير صلاء النار المسعرة وقيل يلزم النار معذبا على وجه التأبيد ﴿إنه كان في أهله مسرورا﴾ في الدنيا ناعما لا يهمه أمر الآخرة ولا يتحمل مشقة العبادة فأبدله الله بسروره غما باقيا لا ينقطع وكان المؤمن مهتما بأمر الآخرة فأبدله الله بهمه سرورا لا يزول ولا يبيد وقيل كان مسرورا بمعاصي الله تعالى لا يندم عليها عن الجبائي وقيل إن من عصى وسر بمعصية الله فقد ظن أنه لا يرجع إلى البعث ولو كان موقنا بالبعث والجزاء لكان بعيدا عن السرور بالمعاصي ﴿إنه ظن أن لن يحور﴾ أي ظن في دار التكليف أنه لم يرجع إلى حال الحياة في الآخرة للجزاء فارتكب المأثم وانتهك المحارم وقال مقاتل حسب أن لا يرجع إلى الله فقال سبحانه ﴿بلى﴾ ليحورن وليبعثن وليس الأمر على ما ظنه ﴿إن ربه كان به بصيرا﴾ من يوم خلقه إلى أن يبعثه قال الزجاج كان به بصيرا قبل أن يخلقه عالما بأن مرجعه إليه ثم أقسم سبحانه فقال ﴿فلا أقسم﴾ سبق بيانه في سورة القيامة ﴿بالشفق﴾ أي بالحمرة التي تبقى عند المغرب في الأفق وقيل البياض ﴿والليل وما وسق﴾ أي وما جمع وضم مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى ماواه عن عكرمة وغيره وقيل وما ساق لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مسكنه عن الضحاك ومقاتل وقيل ﴿وما وسق﴾ أي طرد من الكواكب فإنها تظهر بالليل وتخفى بالنهار وأضاف ذلك إلى الليل لأن ظهورها فيه مطرد عن أبي مسلم ﴿والقمر إذا اتسق﴾ أي إذا استوى واجتمع وتكامل وتم قال الفراء اتساقه امتلاءه واجتماعه واستواؤه لثلاث عشرة إلى ست عشرة ﴿لتركبن طبقا عن طبق﴾ هذا جواب القسم أي لتركبن يا محمد سماء بعد سماء تصعد فيها عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والشعبي والكلبي ويجوز أن يريد درجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة في المقربة من الله ورفعة المنزلة عنده وروى مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرأ لتركبن بفتح الباء ﴿طبقا عن طبق﴾ قال يعني نبيكم حالا بعد حال رواه البخاري في الصحيح ومن قرأ بالضم فالخطاب للناس أي لتركبن حالا بعد حال ومنزلا بعد منزل وأمرا بعد أمر يعني في الآخرة والمراد أن الأحوال تتقلب بهم فيصيرون على غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا وعن بمعنى بعد كما قال سبحانه ﴿عما قليل ليصبحن نادمين﴾ أي بعد قليل.
وقال الشاعر:
قربا مربط النعامة مني
لقحت حرب وائل عن حيال
أي بعد حيال وقيل معناه شدة بعد شدة حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء وروي ذلك مرفوعا وقيل أمرا بعد أمر ورخاء بعد شدة وشدة بعد رخاء وفقرا بعد غنى وغنى بعد فقر وصحة بعد سقم وسقما بعد صحة عن عطا وقيل حالا بعد حال نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم خلقا آخر ثم جنينا ثم وليدا ثم رضيعا ثم فطيما ثم يافعا ثم ناشئا ثم مترعرعا ثم حزورا ثم مراهقا ثم محتلما ثم بالغا ثم أمرد ثم طارا ثم باقلا ثم مسيطرا ثم مطرخما ثم مختطا ثم صملا ثم ملتحيا ثم مستويا ثم مصعدا ثم مجتمعا والشاب يجمع ذلك كله ثم ملهوزا ثم كهلا ثم أشمط ثم شيخا ثم أشيب ثم حوقلا ثم صفتانا ثم هما ثم هرما ثم ميتا فيشتمل الإنسان من كونه نطفة إلى أن يموت على سبعة وثلاثين اسما وقيل معناه لتحدثن أمرا لم تكونوا عليه في كل عشرين سنة عن مكحول وقيل معناه لتركبن منزلة عن منزلة وطبقة عن طبقة وذلك أن من كان على صلاح دعاه ذلك إلى صلاح فوقه ومن كان إلى فساد دعاه إلى فساد فوقه لأن كل شيء يجر إلى شكله وقيل لتركبن سنن من كان قبلكم من الأولين وأحوالهم عن أبي عبيدة وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام) والمعنى أنه يكون فيكم ما كان فيهم ويجري عليكم ما جرى عليهم حذو القذة بالقذة ثم قال سبحانه على وجه التقريع لهم والتبكيت ﴿فما لهم﴾ يعني كفار قريش ﴿لا يؤمنون﴾ بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن والمعنى أي شيء لهم إذا لم يؤمنوا وهو استفهام إنكار أي لا شيء لهم من النعيم والكرامة إذا لم يؤمنوا وقيل معناه فما وجه الارتياب الذي يصرفهم عن الإيمان وهو تعجب منهم في تركهم الإيمان والمراد أي مانع لهم وأي عذر لهم في ترك الإيمان مع وضوح الدلائل ﴿وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون﴾ عطف على قوله ﴿فما لهم لا يؤمنون﴾ أي ما الذي يصرفهم عن الإيمان وعن السجود لله تعالى إذا تلي عليهم القرآن وقيل معنى لا يسجدون لا يصلون لله تعالى عن عطا والكلبي وفي خبر مرفوع عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا السماء انشقت فسجد ثم قال سبحانه ﴿بل الذين كفروا يكذبون﴾ أي لم يتركوا الإيمان لقصور في البيان أو لانقطاع من البرهان لكنهم قلدوا أسلافهم ورؤساءهم في التكذيب بالرسول والقرآن ﴿والله أعلم بما يوعون﴾ أي يجمعون في صدورهم ويضمرون في قلوبهم من التكذيب والشرك عن ابن عباس وقتادة ومقاتل وقيل بما يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة عن ابن زيد قال الفراء أصل الإيعاء جعل الشيء في وعاء والقلوب أوعية لما يحصل فيها من علم أو جهل وفي كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ثم قال ﴿فبشرهم﴾ يا محمد ﴿بعذاب أليم﴾ أي اجعل ذلك لهم بدل البشارة للمؤمنين بالرحمة ثم استثنى سبحانه المؤمنين من جملة المخاطبين فقال ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون﴾ أي غير منقوص ولا مقطوع لأن نعيم الآخرة غير منقطع عن ابن عباس وقيل غير منقص ولا مكدر بالمن عن الجبائي وروي ذلك عن الحسن وقيل له من ولا منة وإنما قيل له من وله منة لأنه يقطع عن شكر النعمة وأصل المن القطع يقال مننت الحبل إذا قطعته قال لبيد:
لمعفر قهد تنازع شلوه
غبس كواسب ما يمن طعامها
وقيل ليس لأحد عليها منة فيما يكسب وفي قوله سبحانه ﴿فما لهم لا يؤمنون﴾ و﴿لا يسجدون﴾ دلالة على أن الإيمان والسجود فعلهم لأن الحكيم لا يقول ما لك لا تؤمن ولا تسجد لمن يعلم أنه لا يقدر على الإيمان والسجود ولو وجد ذلك لم يكن من فعله ويدل قوله ﴿لا يسجدون﴾ على أن الكفار مخاطبون بالعبادات.
النظم:
وجه اتصال قوله ﴿إن ربه كان به بصيرا﴾ بما قبله أنه سبحانه لما أخبر عن ظن الكافر أن لن يحور عقبه بالإخبار بأنه يحور والقطع عليه وذكر أنه بصير به وقيل أن تقديره بلى سيرجع إلى الآخرة وربه بصير بأحواله فسيجازيه بأعماله.