الآيات 10-11

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴿11﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة ولا تمسكوا بالتشديد والباقون ﴿ولا تمسكوا﴾ بالتخفيف وفي الشواذ قراءة الأعرج فعقبتم بالتشديد وقراءة النخعي والزهري ويحيى بن يعمر بخلاف فعقبتم) خفيفة القاف من غير ألف وقراءة مسروق فعقبتم بكسر القاف من غير ألف والقراءة المشهورة ﴿فعاقبتم﴾ وقرأ مجاهد فأعقبتم.

الحجة:

حجة من قرأ ﴿لا تمسكوا﴾ قوله فإمساك بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا وأمسك عليك زوجك وحجة من قال ولا تمسكوا قوله والذين يمسكون بالكتاب يقال أمسكت بالشيء ومسكت به وتمسكت به قال ابن جني روينا عن قطرب قال ﴿فعاقبتم﴾ أصبتم عقبى منهن يقال عاقب الرجل شيئا إذا أخذ شيئا وأنشد لطرفة:

فعقبتم بذنوب غير مر

جمع مرة فسروه على أعطيتم وعدتم وقال في قوله ولم يعقب لم يرجع وحكي عن الأعمش أنه قال عقبتم غنمتم وقد يجوز أن يكون عقبتم بوزن غنمتم وبمعناه جميعا وروي أيضا بيت طرفة فعقبتم بكسر القاف وحكى أبو عوانة عن المغيرة قال قرأت على إبراهيم ﴿فعاقبتم﴾ فأخذها على فعقبتم خفيفة ومعنى أعقبتم صنعتم بهم مثل ما صنعوا بكم.

النزول:

قال ابن عباس صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحديبية مشركي مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده عليهم ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو لهم ولم يردوه عليه وكتبوا بذلك كتابا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحديبية فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وقال مقاتل هو صيفي ابن الراهب في طلبها وكان كافرا فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد فنزلت الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات﴾ من دار الكفر إلى دار الإسلام ﴿فامتحنوهن﴾ قال ابن عباس امتحانهن أن يستحلفن ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا التماس دنيا وما خرجت إلا حبا لله ولرسوله فاستحلفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما خرجت بغضا لزوجها ولا عشقا لرجل منا وما خرجت إلا رغبة في الإسلام فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك فأعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها عليه فتزوجها عمر بن الخطاب فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد من جاءه من الرجال ويحبس من جاءه من النساء إذا امتحن ويعطي أزواجهن مهورهن قال الزهري ولما نزلت هذه الآية وفيها قوله ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قرنية بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة والأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم رجل من قومه وهما على شركهما وكانت عند طلحة بن عبد الله أروى بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر وكان طلحة قد هاجر وهي بمكة عند قومها كافرة ثم تزوجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وكانت ممن فرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من نساء الكفار فحبسها وزوجها خالدا وأميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة ففرت منه وهو يومئذ كافر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فزوجها رسول الله سهل بن حنيف فولدت عبد الله بن سهل قال الشعبي وكانت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة أبي العاص بن الربيع فأسلمت ولحقت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة وأقام أبو العاص مشركا بمكة ثم أتى المدينة فأمنته زينب ثم أسلم فردها عليه رسول الله وقال الجبائي لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء ولم يجر للنساء ذكر وأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ردها عليهما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردها عليهما قال الجبائي وإنما لم يجر هذا الشرط في النساء لأن المرأة إذا أسلمت لم تحل لزوجها الكافر فكيف ترد عليه وقد وقعت الفرقة بينهما.

المعنى:

لما قطع سبحانه الموالاة بين المسلمين والكافرين بين حكم النساء المهاجرات وأزواجهن فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن﴾ بالإيمان أي استوصفوهن الإيمان وسماهن مؤمنات قبل أن يؤمن لأنهن اعتقدن الإيمان ﴿الله أعلم بإيمانهن﴾ أي كنتم تعلمون بالامتحان ظاهر إيمانهن والله يعلم حقيقة إيمانهن في الباطن ثم اختلفوا في الامتحان على وجوه (أحدها) أن الامتحان أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عن ابن عباس (وثانيها) ما روي عن ابن عباس أيضا في رواية أخرى أن امتحانهن أن يحلفن ما خرجن إلا للدين والرغبة في الإسلام ولحب الله ورسوله ولم يخرجن لبغض زوج ولا لالتماس دنيا وروي ذلك عن قتادة (وثالثها) أن امتحانهن بما في الآية التي بعد وهو أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين الآية عن عائشة ثم قال سبحانه ﴿فإن علمتموهن مؤمنات﴾ يعني في الظاهر ﴿فلا ترجعوهن إلى الكفار﴾ أي لا تردوهن إليهم ﴿لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن﴾ وهذا يدل على وقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة وإن لم يطلق المشرك ﴿وآتوهم ما أنفقوا﴾ أي وآتوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر عن ابن عباس ومجاهد وقتادة قال الزهري لو لا الهدنة لم يرد إلى المشركين الصداق كما كان يفعل قبل ﴿ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن﴾ أي ولا جناح عليكم معاشر المسلمين أن تنكحوا المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن التي يستحل بها فروجهن لأنهن بالإسلام قد بن من أزواجهن ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ أي لا تمسكوا بنكاح الكافرات وأصل العصمة المنع وسمي النكاح عصمة لأن المنكوحة تكون في حبال الزوج وعصمته وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز العقد على الكافرة سواء كانت حربية أو ذمية وعلى كل حال لأنه عام في الكوافر وليس لأحد أن يخص الآية بعابدة الوثن لنزولها بسببهن لأن المعتبر بعموم اللفظ لا بالسبب ﴿واسألوا ما أنفقتم﴾ أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ولم يدفعوها إليكم كما يسألونكم مهور نسائهم إذا هاجرن إليكم وهو قوله ﴿وليسألوا ما أنفقوا ذلكم﴾ يعني ما ذكر الله في هذه الآية ﴿حكم الله يحكم بينكم والله عليم﴾ بجميع الأشياء ﴿حكيم﴾ فيما يفعل ويأمر به قال الحسن كان في صدر الإسلام تكون المسلمة تحت الكافر والكافرة تحت المسلم فنسخته هذه الآية قال الزهري ولما نزلت هذه الآية آمن المؤمنون بحكم الله وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما أمرهم به من أداء نفقات المسلمين فنزل ﴿وإن فاتكم شيء من أزواجكم﴾ أي أحد من أزواجكم ﴿إلى الكفار﴾ فلحقن بهم مرتدات ﴿فعاقبتم﴾ معناه فغزوتم وأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة فظفرتم وكانت العاقبة لكم وقيل معناه فخلفتم من بعدهم وصار الأمر عن مؤرج وقيل إن عقب وعاقب مثل صغر وصاغر بمعنى عن الفراء وقيل عاقبتم بمصير أزواج الكفار إليكم إما من جهة سبي أو مجيئهن مؤمنات عن علي بن عيسى ﴿فأتوا الذين ذهبت أزواجهم﴾ أي نساؤهم من المؤمنين ﴿مثل ما أنفقوا﴾ من المهور عليهن من رأس الغنيمة وكذلك من ذهبت زوجته إلى من بينكم وبينه عهد فنكث في إعطاء المهر فالذي ذهبت زوجته يعطى المهر من الغنيمة ولا ينقص شيئا من حقه بل يعطى كملا عن ابن عباس والجبائي وقيل معناه إن فاتكم أحد من أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم وبينهم عهد فغنمتم فأعطوا زوجها صداقها الذي كان ساق إليها من الغنيمة ثم نسخ هذا الحكم في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده عن قتادة وقال علي بن عيسى معناه فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من المهور كما عليهم أن يردوا عليكم مثل ما أنفقتم لمن ذهب من أزواجكم ﴿واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون﴾ أي اجتنبوا معاصي الله الذي أنتم تصدقون به ولا تجاوزا أمره وقال الزهري فكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعات عن الإسلام ست نسوة: أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعبدة بنت عبد العزى بن فضلة وزوجها عمرو بن عبد ود وهند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر فأعطاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مهور نسائهم من الغنيمة.