الآيات 36-44

فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ﴿36﴾ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ﴿37﴾ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ﴿38﴾ كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴿39﴾ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ﴿40﴾ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴿41﴾ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴿42﴾ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴿43﴾ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴿44﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وحفص وسهل ﴿إلى نصب﴾ بضمتين والباقون إلى نصب بفتح النون وسكون الصاد.

الحجة:

قال أبو علي يجوز أن يكون نصب جمع نصب مثل سقف وسقف وورد ومن ثقل فقال نصب كان بمنزلة أسد ويمكن أن يكون النصب والنصب لغتين كالضعف والضعف وما أشبه ذلك ويكون الثقيل كشغل وشغل وطنب وطنب.

اللغة:

قال الزجاج المهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله وذلك من نظر العدو وقال أبو عبيدة الإهطاع الإسراع وعزين جماعات في تفرقة واحدتهم عزة وإنما جمع بالواو والنون لأنه عوض مثل سنة وسنون وأصل عزة عزوة من عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره فكل جماعة من هذه الجماعات مضافة إلى الأخرى.

قال الراعي:

أخليفة الرحمن إن عشيرتي

أمسى سوامهم عزين فلولا

وقال عنترة:

وقرن قد تركت لدي مكر

عليه الطير كالعصب العزينا

وقيل إن المحذوف من عزة هاء والأصل عزهة وهو من العزهاة وهو المنقبض عن النساء وعن اللهو معهن قال الأحوص:

إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبي

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

وعن أبي هريرة قال خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصحابه وهم حلق حلق متفرقون فقال ما لي أراكم عزين والأجداث القبور واحدها جدث وجدف بمعناه والإيفاض الإسراع والنصب الصنم الذي كانوا يعبدونه قال الأعشى:

وذا النصب المنصوب لا تنسكنه

لعاقبة والله ربك فاعبدا

الإعراب:

﴿فما للذين كفروا﴾ ما رفع بالابتداء واللام خبره وفيه ضميره وقبلك في موضع الحال من كفروا أو من المجرور على تقدير فما لهم ثابتين قبلك ومهطعين حال من الضمير في قبلك ويجوز في قبلك أن يكون ظرفا للأم وأن يكون ظرفا لمهطعين ويجوز أن يكون مهطعين حالا بعد حال وعن اليمين يتعلق به وعزين حال بعد حال ويجوز أن يتعلق عن اليمين بعزين ومعناه مجتمعين عن اليمين وعن الشمال.

﴿كأنهم إلى نصب يوفضون﴾ جملة منصوبة الموضع على الحال من قوله ﴿سراعا﴾ ﴿خاشعة أبصارهم﴾ حال من الضمير في يوفضون.

المعنى:

ثم قال سبحانه على وجه الإنكار على الكفار ﴿فما للذين كفروا﴾ يعني أي شيء للذين كفروا بتوحيد الله أي ما بالهم وما حملهم على ما فعلوا ﴿قبلك﴾ أي عندك يا محمد ﴿مهطعين﴾ مسرعين إليك عن أبي عبيدة وقيل متطلعين عن الحسن وقيل مقبلين عنك بوجوههم لا يلتفتون عنك أي ناظرين إليك بالعداوة والمراد بالذين كفروا هنا المنافقون ﴿عن اليمين وعن الشمال﴾ أي عن يمينك وعن شمالك ﴿عزين﴾ أي جماعات متفرقين عصبة عصبة وجماعة جماعة ﴿أيطمع كل امرىء منهم﴾ أي من هؤلاء المنافقين ب ﴿أن يدخل جنة نعيم﴾ كما يدخل أولئك الموصوفون قبل هذا وإنما قال هذا لأنهم كانوا يقولون إن كان الأمر على ما قال محمد فإن لنا في الآخرة عند الله أفضل مما للمؤمنين كما أعطانا في الدنيا أفضل مما أعطاهم ﴿كلا﴾ أي لا يكون ولا يدخلونها ﴿إنا خلقناهم مما يعلمون﴾ أي من النطفة عن الحسن أي من كان أصله من هذا الماء المهين فكيف استوجب الجنة بأصله وبنفسه إنما يستوجبها بالأعمال الصالحة نبه سبحانه بهذا على أن الناس كلهم من أصل واحد وإنما يتفاضلون بالإيمان والطاعة وتحقيقه إنما خلقناهم من المقاذر والأنجاس فمتى يدخلون الجنة ولم يؤمنوا بي ولم يصدقوا رسولي وقيل معناه خلقناهم من الجنس الذين يعلمون أو من الخلق الذين يعلمون ويفقهون ويلزمهم الحجة ولم نخلقهم من الجنس الذي لا يفقه كالبهائم والطير وقيل معناه خلقناهم من أجل ما يعلمون من الثواب والعقاب والتكليف للطاعات تعريضا للثواب كما يقول القائل غضبت عليك مما تعلم أي من أجل ما تعلم قال الأعشى:

أأزمعت من آل ليلى ابتكارا

وشطت على ذي هوى أن تزارا

أي من أجل آل ليلى ودل قوله وشطت على ذي هوى أنه لم يزمع من عندهم وإنما أزمع من أجلهم للمصير إليهم ﴿فلا أقسم﴾ هو مفسر في سورة الحاقة ﴿برب المشارق والمغارب﴾ يعني مشارق الشمس ومغاربها فإن لها ثلاثمائة وستين مطلعا لكل يوم مطلع لا تعود إليه إلى قابل عن ابن عباس ﴿إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم﴾ هذا جواب القسم يعني أنا نقدر على أن نهلكهم ونأتي بدلهم بقوم آخرين خيرا منهم ﴿وما نحن بمسبوقين﴾ هذا عطف على جواب القسم أي وإن هؤلاء الكفار لا يفوتون بأن يتقدموا على وجه يمنع لحاق العذاب بهم فإنهم لم يكونوا سابقين ولا العقاب مسبوقا منهم والتقدير وما نحن بمسبوقين يفوت عقابنا إياهم فإنهم لو سبقوا عقابنا لسبقونا وقيل معناه وما نحن بمغلوبين عن أبي مسلم ﴿فذرهم يخوضوا﴾ في باطلهم ﴿ويلعبوا﴾ فإن وبال ذلك عائد عليهم ﴿حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون﴾ يعني يوم القيامة ﴿يوم يخرجون من الأجداث﴾ أي القبور ﴿سراعا﴾ مسرعين لشدة السوق ﴿كأنهم إلى نصب يوفضون﴾ أي كأنهم يسعون ويسرعون إلى علم نصب لهم عن الجبائي وأبي مسلم وقيل كأنهم إلى أوثانهم يسعون للتقرب إليها عن ابن عباس وقتادة ﴿خاشعة أبصارهم﴾ أي ذليلة خاضعة لا يستطيعون النظر من هول ذلك اليوم ﴿ترهقهم ذلة﴾ أي تغشاهم مذلة ﴿ذلك اليوم الذي﴾ وصفه اليوم الذي ﴿كانوا يوعدون﴾ به دار التكليف فلا يصدقون به ويجحدونه قد شاهدوه في تلك الحال.