الآيات 11-19

وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا ﴿11﴾ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا ﴿12﴾ وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ﴿13﴾ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا ﴿14﴾ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا ﴿15﴾ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ﴿16﴾ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴿17﴾ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ﴿18﴾ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴿19﴾

اللغة:

يذر ويدع بمعنى يترك ولا يقال وذر ولا ودع واستغني بترك عن ذلك لأن الابتداء بالواو عندهم مكروه ولذلك أبدلوا منها الهمزة في أقتت والتاء في تخمة وتراث والنعمة بفتح النون لين اللمس وضدها الخشونة والنعمة الثروة والمنة أيضا والنعمة بضم النون المسرة يقال نعم ونعمة عين ونعمى عين والأنكال القيود واحدها نكل والغصة تردد اللقمة في الحلق ولا يسيغها آكلها يقال غص بريقه يغص غصصا وفي قلبه غصة من كذا وهي كاللدغة التي لا يسوغ معها الطعام والشراب قال عدي بن زيد:

لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصان بالماء اعتصاري

والكثيب الرمل المجتمع الكثير وهلت الرمل أهيله هيلا فهو مهيل إذا حرك أسفله فسال أعلاه ومنه الحديث كيلوا ولا تهيلوا وكل ثقيل وبيل ومنه كلأ مستوبل أي مستوخم لا يستمرء لثقله ومنه الوبل والوابل وهو المطر العظيم القطر ومنه الوبال وهو ما يغلظ على النفس والوبيل أيضا الغليظ من العصي قال طرفة:

فمرت كهاة ذات خيف جلالة

عقيلة شيخ كالوبيل يلندد

المعنى:

ثم قال سبحانه مهددا للكفار ﴿وذرني﴾ يا محمد ﴿والمكذبين﴾ الذين يكذبونك فيما تدعوهم إليه من التوحيد وإخلاص العبادة وفي البعث والجزاء وهذا كما يقول القائل دعني وإياه إذا أراد أن يهدده وهو نصب على أنه مفعول معه ﴿أولي النعمة﴾ يعني المتنعمين ذوي الثروة في الدنيا أي كل جزاءهم إلي ولا تشغل قلبك بمجازاتهم ﴿ومهلهم قليلا﴾ وهذا أيضا وعيد لهم ولم يكن إلا يسيرا حتى كانت وقعة بدر والمعنى وأخرهم في المدة قليلا قال مقاتل نزلت في المطعمين ببدر وهم عشرة ذكرناهم في الأنفال وقيل نزلت في صناديد قريش والمستهزءين ﴿إن لدينا أنكالا﴾ أي عندنا قيودا في الآخرة عظاما لا تفك أبدا عن مجاهد وقتادة وقيل أغلالا ﴿وجحيما﴾ وهو اسم من أسماء جهنم وقيل يعني ونارا عظيمة ولا يسمى القليل به ﴿وطعاما ذا غصة﴾ أي ذا شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج عن ابن عباس وقيل طعاما يأخذ بالحلقوم لخشونته وشدة تكرهه وقيل يعني الزقوم والضريع وروي عن حمران بن أعين عن عبد الله بن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سمع قارئا يقرأ هذه فصعق ﴿وعذابا أليما﴾ أي عقابا موجعا مؤلما ثم بين سبحانه متى يكون ذلك فقال ﴿يوم ترجف الأرض﴾ أي تتحرك باضطراب شديد ﴿والجبال﴾ أي وترجف الجبال معها أيضا وتضطرب بمن عليها ﴿وكانت الجبال كثيبا مهيلا﴾ أي رملا سائلا متناثرا عن ابن عباس وقيل المهيل الذي إذا وطأته القدم زل من تحتها وإذا أخذت أسفله انهار أعلاه عن الضحاك والمعنى أن الجبال تنقلع من أصولها فتصير بعد صلابتها كالرمل السائل ثم أكد سبحانه الحجة على أهل مكة فقال ﴿إنا أرسلنا إليكم رسولا﴾ يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿شاهدا عليكم﴾ أي يشهد عليكم في الآخرة بما يكون منكم لا في الدنيا ﴿كما أرسلنا إلى فرعون﴾ بمصر ﴿رسولا﴾ يعني موسى ابن عمران ﴿فعصى فرعون الرسول﴾ ولم يقبل منه ما دعاه إليه ﴿فأخذناه﴾ بالعذاب ﴿أخذا وبيلا﴾ أي شديدا ثقيلا مع كثرة جنوده وسعة ملكه يعني الغرق حذرهم سبحانه أن ينالهم مثل ما نال فرعون وقومه ﴿فكيف تتقون إن كفرتم﴾ ولم تؤمنوا برسولكم ﴿يوما﴾ أي عقاب يوم ﴿يجعل الولدان شيبا﴾ وهو جمع أشيب وهذا وصف لذلك اليوم وشدته كما يقال هذا أمر يشيب منه الوليد وتشيب منه النواصي إذا كان عظيما شديدا والمعنى بأي شيء تتحصنون من عذاب ذلك اليوم إن كفرتم وكيف تدفعون عنكم ذلك قال النابغة:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

أي دفعتنا ثم زاد سبحانه في وصف شدة ذلك اليوم فقال ﴿السماء منفطر به﴾ الهاء تعود إلى اليوم وهذا كما يقال فلان بالكوفة أي هو فيها والمعنى أن السماء تنفطر وتنشق في ذلك اليوم من هوله وقيل سبب ذلك اليوم وهوله وشدته وقيل بأمر الله وقدرته ولم يقل منفطرة لأن لفظة السماء مذكر فيجوز أن يذكر ويؤنث ومن ذكر أراد السقف وقيل معناه ذات انفطار كما يقال امرأة مطفل أي ذات أطفال ومرضع ذات رضاع فيكون على طريق النسبة ﴿كان وعده مفعولا﴾ أي كائنا لا خلف فيه ولا تبديل ﴿إن هذه﴾ الصفة التي ذكرناها وبيناها ﴿تذكرة﴾ أي عظة لمن أنصف من نفسه والتذكرة الموعظة التي يذكر بها ما يعمل عليه ﴿فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا﴾ أي فمن شاء من المكلفين اتخذ إلى ثواب ربه سبيلا لأنه قادر على الطاعة التي لو فعلها وصل إلى الثواب وقد رغبه الله تعالى فيه ودعاه إلى فعل ما يوصله إليه وبعث رسولا يدعوه إليه فمن لم يصل إليه فبسوء اختياره انصرف عنه.