الآيات 1-10

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴿1﴾ قُمْ فَأَنذِرْ ﴿2﴾ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴿3﴾ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴿4﴾ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴿5﴾ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴿6﴾ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴿7﴾ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ﴿8﴾ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴿9﴾ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وحفص ويعقوب وسهل والرجز بالضم والباقون بكسر الراء وقرأ الحسن تستكثر بالجزم وقرأ الأعمش تستكثر بالنصب والقراءة بالرفع.

الحجة:

﴿الرجز﴾ بالضم قراءة الحسن وهو اسم صنم فيما زعموا وقال قتادة هما صنمان إساف ونائلة ومن كسر فهو العذاب والمعنى ذات العذاب فاهجر لأن عبادتها تؤدي إلى العذاب ويجوز أن يكون الرجز والرجز لغتين كالذكر والذكر وقال ابن جني الجزم في تستكثر يحتمل أمرين (أحدهما) أن يكون بدلا من تمنن فكأنه قال لا تستكثر فإن قيل فعبرة البدل أن يصلح إقامة الثاني مقام الأول وأنت لو قلت لا تستكثر لا يدلك النهي على المن للاستكثار وإنما المعنى لا تمنن من مستكثر قيل قد يكون البدل على حذف الأول وقد يكون على نية ثباته وذلك كقولك زيد مررت به أبي محمد فتبدل أبا محمد من الهاء ولو قلت زيد مررت مررت بأبي محمد كان قبيحا فقوله ﴿ولا تمنن تستكثر﴾ من هذا القبيل وأنكر أبو حاتم الجزم على البدل (والآخر) أن يكون أراد تستكثر فأسكن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات كما حكى أبو زيد من قولهم بلى ورسلنا بإسكان اللام وأما تستكثر بالنصب فبأن مضمرة وذلك أن يكون بدلا من قوله ﴿ولا تمنن﴾ في المعنى أ لا ترى أن معناه لا يكن منك من فاستكثار فكأنه قال لا يكن منك من أن تستكثر فتضمر أن لتكون مع الفعل المنصوب بها بدلا عن المن في المعنى الذي دل عليه الفعل ومما وقع فيه الفعل موقع المصدر قوله:

فقالوا ما تشاء فقلت ألهو

إلى الأصباح آثر ذي أثير

أراد فقلت للهو فوضع ألهو موضع اللهو.

اللغة:

المدثر المتفعل من الدثار إلا أن الثاء أدغمت في الدال وهو المتغطي بالثياب عند النوم والتكبير وصف الأكبر على اعتقاد معناه كتكبير المكبر في الصلاة بقوله الله أكبر والتكبير نقيض التصغير والكبير الشأن هو المختص باتساع للمقدور والمعلوم والطهارة النظافة بانتفاء النجاسة لأن النظافة قد تكون بانتفاء الوسخ من غير نجاسة وقد تكون بانتفاء النجاسة فالطهارة في الآية هو القسم الأخير والمن ذكر النعمة بما يكدرها ويقطع حق الشكر بها يقال من بعطائه يمن منا إذا فعل ذلك فأما المن على الأسير فهو إطلاقه بقطع أسباب الاعتقال عنه والاستكثار طلب الكثرة وهو هنا طلب ذكر الاستكثار للعطية والناقور فاعول من النقر كهاضوم من الهضم وحاطوم من الحطم وهو الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت به واليسير والقليل الكلفة ومنه اليسار وهو كثرة المال لقلة الكلفة به في الإنفاق ومنه تيسير الأمور لسهولته.

الإعراب:

﴿وربك فكبر﴾ تقديره قم فكبر ربك وكذلك ما بعده وفائدة تقديم المفعول عنها التخصيص لأنك إذا قلت وكبر ربك لم يدل ذلك على أنه لا يجوز تكبير غير الرب إذا قلت ربك فكبر دل على أنه لا يجوز تكبير غيره وتستكثر في موضع نصب على الحال فذلك مبتدأ ويوم عسير خبره ويومئذ يجوز أن يكون رفعا ويجوز أن يكون نصبا فإذا كان رفعا فإنما يبنى على الفتح لإضافته إلى إذ لأن إذ غير متمكنة وإذا كان نصبا فعلى الظرف وتقديره فذلك يوم عسير في يوم ينفخ في الصور قاله الزجاج وقال أبو علي في بعض كتبه لا يجوز أن ينتصب يومئذ بقوله ﴿عسير﴾ لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف وإنما انتصب يومئذ على أنه صلة قوله ﴿فذلك﴾ لأن ذلك كناية عن المصدر فكأنه قال فذلك النقر يومئذ وعلى هذا فيكون التقدير فذلك النقر في ذلك الوقت نقر يوم عسير وقوله ﴿على الكافرين غير يسير﴾ على يتعلق بعسير ولا يتعلق بيسير لأن ما يعمل فيه المضاف إليه لا يتقدم على المضاف على أنهم قالوا إن غيرا في حكم حرف النفي فيجوز أن يعمل ما بعده فيما قبله نحو أن تقول أنت زيدا غير ضارب ولا يجوز أن تقول أنت زيدا مثل ضارب فتعمل ضاربا في زيد وإنما أجازوا أنت زيدا غير ضارب حملا على أنت زيدا لا ضارب.

المعنى:

خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿يا أيها المدثر﴾ أي المتدثر بثيابه قال الأوزاعي سمعت يحيى بن أبي كثير يقول سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل من قبل قال ﴿يا أيها المدثر﴾ فقلت أو اقرأ باسم ربك فقال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل قال ﴿يا أيها المدثر﴾ فقلت أو اقرأ فقال جابر أحدثكم ما حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الواد فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبرائيل فقلت دثروني دثروني فصبوا علي ماء فأنزل الله عز وجل ﴿يا أيها المدثر﴾ وفي رواية فحييت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي فقلت زملوني فنزل ﴿يا أيها المدثر﴾ ﴿قم فأنذر﴾ أي ليس بك ما تخافه من الشيطان إنما أنت نبي فأنذر الناس وادعهم إلى التوحيد وفي هذا ما فيه لأن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة والآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق وقيل معناه يا أيها الطالب صرف الأذى بالدثار اطلبه بالإنذار وخوف قومك بالنار وإن لم يؤمنوا وقيل إنه كان قد تدثر بشملة صغيرة لينام فقال يا أيها النائم قم من نومك فأنذر قومك وقيل إن المراد به الجد في الأمر والقيام بما أرسل به وترك الهوينا فيه فكأنه قيل له لا تنم عما أمرتك به وهذا كما تقول العرب فلان لا ينام في أمره إذا وصف بالجلد والانكماش وصدق العزيمة وكأنهم يخطرون النوم على ذي الحاجة حتى يبلغ حاجته وبذلك نطقت أشعارهم كما قيل:

ألا أيها الناهي فزارة بعد ما

أجدت لأمر إنما أنت حالم

أرى كل ذي وتر يقوم بوتره

ويمنع عنه النوم إذ أنت نائم

ويقال لمن أدرك ثاره هذا هو الثأر المنيم وقال الشاعر يصف من أورد إبلا له:

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا تورد يا سعد الإبل

والاشتمال مثل التدثر ﴿وربك فكبر﴾ أي عظمه ونزهه عما لا يليق به وقيل كبره في الصلاة فقل الله أكبر ﴿وثيابك فطهر﴾ أي وثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة للصلاة وقيل معناه ونفسك فطهر من الذنوب والثياب عبارة عن النفس عن قتادة ومجاهد وعلى هذا فيكون التقدير وذا ثيابك فطهر فحذف المضاف ومما يؤيد هذا القول قول عنترة:

فشككت بالرمح الأصم ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرم

وقيل معناه طهر ثيابك من لبسها على معصية أو غدرة كما قال سلامة بن غيلان الثقفي أنشده ابن عباس:

وإني بحمد الله لا ثوب فاجر

لبست ولا من غدرة أتقنع

قال الزجاج معناه ويقال للغادر دنس الثياب وفي معناه قول من قال وعملك فأصلح.

قال السدي يقال للرجل إذا كان صالحا أنه لطاهر الثياب وإذا كان فاجرا إنه لخبيث الثياب وقيل معناه وثيابك فقصر عن طاووس وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الزجاج لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه وقيل معناه وثيابك فاغسلها عن النجاسة بالماء لأن المشركين كانوا لا يتطهرون عن ابن زيد وابن سيرين وقيل لا يكن ثيابك من حرام عن ابن عباس وقيل معناه وأزواجك فطهرهن عن الكفر والمعاصي حتى يصرن مؤمنات صالحات والعرب تكني بالثياب عن النساء عن أبي مسلم وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل الثياب يذهب الهم والحزن وهو طهور المصلاة وتشمير الثياب طهور لها وقد قال الله سبحانه ﴿وثيابك فطهر﴾ أي فشمر ﴿والرجز فاهجر﴾ أي اهجر الأصنام والأوثان عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والزهري وقيل معناه اجتنب المعاصي عن الحسن قال الكسائي الرجز بالكسر العذاب وبالضم الصنم وقال المعنى أهجر ما يؤدي إلى العذاب ولم يفرق غيره بينهما وقيل معناه جانب الفعل القبيح والخلق الذميم عن الجبائي وقيل معناه أخرج حب الدنيا من قلبك لأنه رأس كل خطيئة ﴿ولا تمنن تستكثر﴾ أي لا تعط عطية لتعطى أكثر منها وهذا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة أدبه الله سبحانه بأكرم الآداب وأشرفها عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والنخعي والضحاك وقيل معناه ولا تمنن حسناتك على الله تعالى مستكثرا لها فينقصك ذلك عند الله عن الحسن وربيع بن أنس وقيل معناه لا تمنن ما أعطاك الله من النبوة والقرآن مستكثرا به الأجر من الناس عن ابن زيد وقيل هو نهي عن الربا المحرم أي لا تعط شيئا طالبا أن تعطي أكثر مما أعطيت عن أبي مسلم وقيل لا تضعف في عملك مستكثرا لطاعاتك عن مجاهد وقيل ولا تمنن بعطائك على الناس مستكثرا ما أعطيته فإن متاع الدنيا قليل ولأن المن يكدر الصنيعة وقيل معناه إذا أعطيت عطية فأعطها لربك واصبر حتى يكون هو الذي يثيبك عليها عن زيد بن أسلم وقيل معناه لا تمنن بإبلاغ الرسالة على أمتك عن الجبائي ﴿ولربك﴾ أي لوجه ربك ﴿فاصبر﴾ على أذى المشركين عن مجاهد وقيل فاصبر على ما أمرك الله به من أداء الرسالة وتعظيم الشريعة وعلى ما ينالك من التكذيب والأذى لتنال الفوز والذخر وقيل فاصبر عن المعاصي وعلى الطاعات والمصائب وقيل فاصبر لله على ما حملت من الأمور الشاقة في محاربة العرب والعجم عن ابن زيد ﴿فإذا نقر في الناقور﴾ معناه إذا نفخ في الصور وهي كهيئة البوق عن مجاهد وقيل إن ذلك في النفخة الأولى وهو أول الشدة الهائلة العامة وقيل إنه النفخة الثانية وعندها يحيي الله الخلق وتقوم القيامة وهي صيحة الساعة عن الجبائي ﴿فذلك يومئذ﴾ قد مر معناه في الأعراف ﴿يوم عسير﴾ أي شديد ﴿على الكافرين﴾ لنعم الله الجاحدين لآياته ﴿غير يسير﴾ غير هين ولا سهل وهو بمعنى قوله ﴿عسير﴾ إلا أنه أعاده بلفظ آخر للتأكيد كما تقول إني واد لفلان غير مبغض وقيل معناه عسير في نفسه وغير عسير على المؤمنين لما يرون من حسن العاقبة.