الآيات 81-90

بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ﴿81﴾ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿82﴾ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿83﴾ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿84﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿85﴾ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴿86﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿87﴾ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿88﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴿89﴾ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿90﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة سيقولون الله في الآيتين والباقون ﴿لله﴾ ولم يختلفوا في الأولى.

الحجة:

أما قراءة أهل البصرة فجواب على ما يوجبه اللفظ ومن قرأ ﴿لله﴾ فعلى المعنى وذلك أنه إذا قيل من مالك هذه الدار فأجيب لزيد فإن الجواب على المعنى دون ما يقتضيه اللفظ فإن الذي يقتضيه اللفظ أن يقال زيد وإنما استقام ذلك لأن معنى من مالك هذه الدار ولمن هذه الدار واحد فلذلك أجيب تارة على اللفظ وتارة على المعنى.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن الكفار المكذبين بالبعث فقال ﴿بل قالوا مثل ما قال الأولون﴾ المنكرون للبعث بعد الموت ثم حكى مقالتهم فقال ﴿قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون﴾ وهذا جهل منهم لأنهم لو تفكروا في أن النشأة الأولى أعظم منه لما استعظموه وقد أقروا بأن الله خالقهم ﴿لقد وعدنا نحن وآباؤنا﴾ أي وعد آباؤنا هذا الذي تعدنا من البعث ﴿من قبل﴾ أي من قبل مجيئك فما صدق وعدهم ﴿إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ أي ما هذا إلا أكاذيب الأولين قد سطروا ما لا حقيقة له وإنما يجري مجرى حديث السمر الذي يكتب للأطراف به ثم احتج على هؤلاء المنكرين للبعث والنشور فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهم ﴿لمن الأرض ومن فيها﴾ أي لمن خلق الأرض وملكها ومن فيها من العقلاء ﴿إن كنتم تعلمون سيقولون﴾ في الجواب ﴿لله﴾ وإنما قال ذلك لأنهم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق ﴿قل أفلا تذكرون﴾ أي فقل لهم عند ذلك أ فلا تتفكرون فتعلمون أنه تعالى قادر على ذلك ومن قدر عليه قدر على إحياء الموتى لأنه ليس ذلك بأعظم منه ثم زاد في الحجة فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهم أيضا ﴿من رب السماوات السبع﴾ أي من مالكها والمتصرف فيها ﴿ورب العرش العظيم﴾ أي ومن مالك العرش ومدبره لأنهم كانوا يقرون بأن الله خالق السماوات وأن الملائكة سكان السماوات والعرش عندهم عبارة عن الملك إلا أن يكون أتاهم خلق العرش من قبل النقل ثم أخبر أنهم سيقولون الله في الجواب عن ذلك أي إن رب السماوات ورب العرش هو الله ومن قرأ ﴿لله﴾ فالمعنى أنها لله ﴿قل أفلا تتقون﴾ أي فعند ذلك يلزمهم الحجة فقل لهم أ فلا تتقون عذابه على جحد توحيده والإشراك في عبادته وفي إنكار البعث ثم زاد في الحجة فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهم أيضا ﴿من بيده ملكوت كل شيء﴾ والملكوت من صفات المبالغة في الملك كالجبروت والرهبوت وقال مجاهد ملكوت كل شيء خزائن كل شيء ﴿وهو يجير ولا يجار عليه﴾ أي يمنع من السوء من يشاء ولا يمتنع منه من أراده بسوء يقال أجرت فلانا إذا استغاث بك فحميته وأجرت عليه إذا حميت عنه ويحتمل أن يكون أراد في الدنيا أي من قصد عبدا من عباده بسوء قدر على منعه ومن أراد الله بسوء لم يقدر على منعه أحد ويحتمل أن يكون أراد في الآخرة أي يجير من العذاب ولا يجار عليه منه ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أي إن كنتم تعلمون ذلك فأجيبوا ﴿سيقولون﴾ في الجواب ﴿لله قل فأنى تسحرون﴾ أي فكيف يخيل إليكم الحق باطلا والصحيح فاسدا مع وضوح الحق وتمييزه من الباطل وقيل معناه فكيف تعمون عن هذا وتصدون عنه من قولهم سحرت أعيننا فلم نبصر وقيل معناه فكيف تخدعون ويموه عليكم كقول امرىء القيس ونسحر بالطعام وبالشراب أي ونخدع ﴿بل آتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون﴾ معناه إنا جئناهم بالحق وبينا لهم الحق الذي فيه بيان كذبهم ولكنهم أصروا على باطلهم وكذبهم.

النظم:

وإنما اتصلت الآية الأولى بما قبلها بمعنى أنهم لو تفكروا لعلموا ولكن عولوا على التقليد فقالوا مثل ما قال الأولون فعلى هذا تكون متصلة بقوله أ فلا تعقلون وقيل إنه جواب الاستفهام في قوله أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين والآية الأخيرة معطوفة على ما تقدم من أدلة التوحيد وهي رد على المشركين وتكذيب لهم في قولهم إن الأصنام آلهة وإن الله سبحانه له ولد وإن الملائكة بنات الله.