الآيات 62-70

وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ ﴿62﴾ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴿63﴾ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴿64﴾ قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿65﴾ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴿66﴾ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴿67﴾ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴿68﴾ مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿69﴾ إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿70﴾

القراءة:

قرأ أهل العراق غير عاصم اتخذناهم موصولة الهمزة والباقون ﴿اتخذناهم﴾ بقطع الهمزة وقرأ أهل المدينة والكوفة غير عاصم سخريا بضم السين والباقون بكسرها وقرأ أبو جعفر إن يوحى إلي إلا إنما بكسر الألف والباقون ﴿أنما﴾ بالفتح.

الحجة:

قال أبو علي في إلحاق همزة الاستفهام في قوله ﴿اتخذناهم سخريا﴾ بعض البعد لأنهم قد علموا أنهم اتخذوهم سخريا وكيف يستقيم أن يستفهم عنه ويدل على علمهم بذلك أنه قد أخبر عنهم بذلك في قوله فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري فالجملة التي هي ﴿اتخذناهم سخريا﴾ صفة للنكرة فأما وجه فتح الهمزة فإنه يكون على التقرير وعودلت بأم لأنها على لفظ الاستفهام كما عودلت بأم في قوله سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم وإن لم يكن استفهاما في المعنى وكذلك قولهم ما أبالي أزيدا ضربت أم عمرا فإن قلت فما الجملة المعادلة بقوله ﴿أم زاغت عنهم الأبصار﴾ في قول من كسر الهمزة في قوله ﴿اتخذناهم﴾ فالقول فيه أن الجملة المعادلة لأم محذوفة والمعنى أتراهم أم زاغت عنهم الأبصار وكذلك قوله أم كان من الغائبين لأن المعنى أخبروني عن الهدهد أحاضر هو أم كان من الغائبين هذا قول أبي الحسن ويجوز عندي في قوله تعالى ﴿قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار أم من هو قانت آناء الليل﴾ أن تكون المعادلة لأم محذوفة تقديره أفأصحاب النار خير أم من هو قانت وحكي عن أبي عمر وأنه قال ما كان من مثل العبودية فسخري مضموم وما كان من مثل الهزء فسخري مكسور السين وقد تقدم ذكر هذا قال ابن جني من قرأ إنما فعلى الحكاية فكأنه قال إن يقال لي إلا إنما أنا نذير مبين وهذا كما تقول لصاحبك أنت قلت أنك شجاع ونحو ذلك قول الشاعر:

تنادوا بالرحيل غدا

وفي ترحالهم نفسي

قال وأجاز أبو علي ثلاثة أضرب من الإعراب بالرحيل والرحيل والرحيل رفعا ونصبا وجرا فمن رفع أو نصب فقد وفى الحكاية اللفظ المقول البتة فكأنهم قالوا الرحيل غدا فأما الجر فعلى إعمال الباء فيه وهو معنى ما قالوه ولكن حكيت منه قولك غدا وحده وهو خبر المبتدأ أو في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ ولا يكون ظرفا لتنادوا لأن الفعل الماضي لا يعمل في الزمان الآتي وإذا قال بالرحيل غدا فإن غدا يجوز أن يكون ظرفا لنفس الرحيل ويجوز أن يكون ظرفا لفعل آخر نصب الرحيل أي يحدث الرحيل غدا.

المعنى:

ثم حكى سبحانه عن أهل النار أيضا بقوله ﴿وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار﴾ أي يقولون ذلك حين ينظرون في النار فلا يرون من كان يخالفهم فيها معهم وهم المؤمنون عن الكلبي وقيل نزلت في أبي جهل والوليد بن المغيرة وذويهما يقولون ما لنا لا نرى عمارا وخبابا وصهيبا وبلالا الذين كنا نعدهم في الدنيا من جملة الذين يفعلون الشر والقبيح ولا يفعلون الخير عن مجاهد وروى العياشي بالإسناد عن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال أن أهل النار يقولون ﴿ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار﴾ يعنونكم لا يرونكم في النار لا يرون والله أحدا منكم في النار ﴿اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار﴾ معناه أنهم يقولون لما لم يروهم في النار اتخذناهم هزوءا في الدنيا فأخطأنا أم عدلت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم معنا في النار ﴿إن ذلك لحق﴾ أي إن ما ذكر قبل هذا لحق أي كائن لا محالة ثم بين ما هو فقال ﴿تخاصم أهل النار﴾ يعني تخاصم الأتباع والقادة أو مجادلة أهل النار بعضهم لبعض على ما أخبر عنهم ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿إنما أنا منذر﴾ أي مخوف من معاصي الله ومحذر من عقابه ﴿وما من إله﴾ يحق له العبادة ﴿إلا الله الواحد القهار﴾ لجميع خلقه المتعالي بسعة مقدوراته فلا يقدر أحد على الخلاص من عقوبته إذا أراد عقابه ﴿رب السماوات والأرض وما بينهما﴾ من الإنس والجن وكل خلق ﴿العزيز﴾ الذي لا يغلبه شيء ولا يمتنع منه شيء ﴿الغفار﴾ لذنوب عباده مع قدرته على عقابهم ﴿قل﴾ يا محمد ﴿هو نبأ عظيم﴾ اختلف فيه فقيل يعني القرآن هو حديث عظيم لأنه كلام الله المعجز ولأن فيه أنباء الأولين ﴿أنتم عنه﴾ أي عن تدبره والعمل به ﴿معرضون﴾ عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وقيل خبر القيامة خبر عظيم أنتم عنه معرضون أي عن الاستعداد لها غافلون وبها مكذبون عن الحسن وقيل معناه النبأ الذي أنبأتكم به عن الله نبأ عظيم عن الزجاج يعني ما أنبأهم به من قصص الأولين أنهم عنه معرضون لا يتفكرون فيه فيعلموا صدقي في نبوتي قال ويدل على صحة هذا المعنى قوله ﴿ما كان لي من علم بالملأ الأعلى﴾ يعني الملائكة ﴿إذ يختصمون﴾ يعني ما ذكر من قوله إني جاعل في الأرض خليفة إلى آخر القصة وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي أي فما علمت ما كانوا فيه إلا بوحي من الله تعالى وروى ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال قال لي ربي أ تدري فيم يختصم الملأ الأعلى فقلت لا قال اختصموا في الكفارات والدرجات فأما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة وأما الدرجات فإفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام ﴿إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين﴾ معناه ما كان لي من علم باختصام الملائكة فيما ذكرنا لو لا أن الله تعالى أخبرني به لم يمكنني إخباركم ولكن ما يوحى إلي إلا الإنذار البين الواضح وقيل معناه ليس يوحى إلي إلا إني نذير مبين مخوف مظهر للحق.