الآيات 55-61

هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴿55﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿56﴾ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ﴿57﴾ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴿58﴾ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ﴿59﴾ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿60﴾ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ﴿61﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ﴿غساق﴾ بالتشديد حيث كان في القرآن والباقون بالتخفيف وقرأ أهل البصرة وأخر بضم الألف والباقون ﴿آخر﴾ على التوحيد.

الحجة:

قال أبو علي أما الغساق بالتشديد فلا يخلو أن يكون اسما أو وصفا فالاسم لا يجيء على هذا الوزن إلا قليلا نحو الكلأ والفدان والجبان فينبغي أن يكون وصفا قد أقيم مقام الموصوف والأحسن أن لا تقام الصفة مقام الموصوف إلا أن تكون صفة قد غلبت نحو العبد والأبطح والأبرق والقراءة بالتخفيف أحسن من حيث ذكرنا ومن قرأ وأخر على الجمع كان أخر مبتدأ و﴿من شكله﴾ في موضع صفته أي من ضربه وأزواج خبر المبتدأ لأنه جمع كالمبتدأ وقد وصفت النكرة فحسن الابتداء بها والضمير في شكله يعود إلى قوله ﴿حميم﴾ ويجوز أن يكون المعنى من شكل ما ذكرناه ومن قرأ ﴿وآخر﴾ على الإفراد فآخر يرتفع بالابتداء في قول سيبويه وفيه ذكر مرفوع عنده وبالظرف في قول أبي الحسن ولا ذكر في الظرف لارتفاع الظاهر به فإن لم تجعل آخر مبتدأ في هذا الوجه خاصة قلت أنه يكون ابتداء بالنكرة فلا أحمل على ذلك ولكن لما قال ﴿حميم وغساق﴾ دل هذا الكلام على أن لهم حميما وغساقا فحمل المعطوف على المعنى فجعل لهم المدلول عليه خبرا آخر فهو قول وكان التقدير لهم عذاب آخر من شكله أزواج فيكون من شكله في موضع الصفة ويكون ارتفاع أزواج به في قول سيبويه وأبي الحسن ولا يجوز أن يجعل قوله ﴿من شكله أزواج﴾ في قول من قرأ وأخر على الجمع وصفا ويضمر الخبر كما فعلت ذلك في قول من وحد لأن الصفة لا يرجع منها ذكر إلى الموصوف ألا ترى أن أزواج إذا ارتفع بالظرف لم يجز أن يكون فيه ذكر مرفوع والهاء التي للإفراد لا ترجع إلى الجمع في الوجه البين فتحصل الصفة بلا ذكر يعود منها إلى الموصوف وأما امتناع أخر من الصرف في النكرة فللعدل والوصف فمعنى العدل فيه أن هذا النحو لا يوصف به إلا بالألف واللام واستعملت أخر بلا ألف ولام فصارت بذلك معدولة عن الألف واللام.

اللغة:

المهاد الفراش الموطإ يقال مهدت له تمهيدا مثل وطأت له توطئة والحميم الحار الشديد الحرارة ومنه الحمى لشدة حرارتها والغساق قيح شديد النتن يقال غسقت القرحة تغسق غسوقا وقيل هو مشتق من الغسق وهو السواد والظلمة أي هو على ضد ما يراد في الشراب من الضياء والرقة عن أبي مسلم ومنه يقال ليل غاسق وغسقت عينه أظلمت وأغسق المؤذن المغرب أخره إلى الظلمة والشكل بفتح الشين الضرب المتشابة والشكل بالكسر النظير في الحسن وهو الدل أيضا والاقتحام الدخول في الشيء بشدة وصعوبة قال أبو عبيدة قولهم لا مرحبا به أي لا رحبت عليه الأرض.

وقال القتيبي قولهم مرحبا بك أي أتيت رحبا وسعة قال النابغة:

لا مرحبا بغد ولا أهلا به

إن كان تفريق الأحبة في غد

الإعراب:

هذا مبتدأ وحميم خبره وغساق معطوف عليه و﴿فليذوقوه﴾ خبر بعد خبر والتقدير هذا حميم وغساق فليذوقوه ويجوز أن يكون ﴿هذا فليذوقوه﴾ مبتدأ وخبر وحميم خبر مبتدإ محذوف أي هو حميم ويجوز أن يكون هذا في موضع نصب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر.

المعنى:

لما بين سبحانه أحوال أهل الجنة وما أعد لهم من جزيل الثواب عقبه ببيان أحوال أهل النار وما لهم من أليم العذاب فقال ﴿هذا﴾ أي ما ذكرناه للمتقين ثم ابتدأ فقال ﴿وإن للطاغين﴾ الذين طغوا على الله وكذبوا رسله ﴿لشر مآب﴾ وهو ضد مآب المتقين ثم فسر ذلك فقال ﴿جهنم يصلونها﴾ أي يدخلونها فيصيرون صلاء لها ﴿فبئس المهاد﴾ أي فبئس المسكن وبئس المهد ﴿هذا فليذوقوه حميم وغساق﴾ أي هذا حميم وغساق فليذوقوه عن الفراء والزجاج وقيل معناه هذا الجزاء للطاغين فليذوقوه وأطلق عليه لفظ الذوق لأن الذائق يدرك الطعم بعد طلبه فهو أشد إحساسا به والحميم الماء الحال والغساق البارد الزمهرير عن ابن مسعود وابن عباس فيكون المعنى أنهم يعذبون بحار الشراب الذي انتهت حرارته وببارد الذي انتهت برودته فيبرده يحرق كما يحرق النار وقيل أن الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من حية وعقرب عن كعب وقيل هو ما يسيل من دموعهم يسقونه مع الحميم عن السدي وقيل هو القيح الذي يسيل منهم يجمع ويسقونه عن ابن عمر وقتادة وقيل هو عذاب لا يعلمه إلا الله عن الحسن ﴿وآخر﴾ أي وضروب أخر ﴿من شكله﴾ أي من شكل هذا العذاب وجنسه ﴿أزواج﴾ أي ألوان وأنواع متشابهة في الشدة لا نوع واحد ﴿هذا فوج مقتحم معكم﴾ هاهنا حذف أي يقال لهم هذا فوج وهم قادة الضلالة إذا دخلوا النار ثم يدخل الأتباع فيقول الخزنة للقادة هذا فوج أي قطع من الناس وهم الأتباع مقتحم معكم في النار دخلوها كما دخلتم عن ابن عباس وقيل يعني بالأول أولاد إبليس وبالفوج الثاني بني آدم أي يقال لبني إبليس بأمر الله تعالى هذا جمع من بني آدم مقتحم معكم يدخلون النار وعذابها وأنتم معهم عن الحسن ﴿لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار﴾ أي لا اتسعت لهم أماكنهم لأنهم لازموا النار فيكون المعنى على القول الأول أن القادة والرؤساء يقولون للأتباع لا مرحبا بهؤلاء أنهم يدخلون النار مثلنا فلا فرح لنا في مشاركتهم إيانا فيقول الأتباع لهم ﴿قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم﴾ أي لا نلتم رحبا وسعة ﴿أنتم قدمتموه لنا﴾ أي حملتمونا على الكفر الذي أوجب لنا هذا العذاب ودعوتمونا إليه وأما على القول الثاني أن أولاد إبليس يقولون لا مرحبا بهؤلاء قد ضاقت أماكننا بهم إذ كانت النار مملوءة منا فليس لنا منهم إلا ضيق في شدة وهذا كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن النار تضيق عليهم كضيق الزج بالرمح ﴿قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم﴾ أي يقول بنو آدم بل لا كرامة لكم أنتم شرعتموه لنا وزينتموه في نفوسنا ﴿فبئس القرار﴾ الذي استقررنا عليه ﴿قالوا ربنا من قدم لنا هذا﴾ أي يدعون عليهم بهذا إذا حصلوا في نار جهنم أي من سبب لنا هذا العذاب ودعانا إلى ما استوجبنا به ذلك ﴿فزده عذابا ضعفا﴾ أي مثلا مضاعفا إلى مثل ما يستحقه ﴿في النار﴾ أحد الضعفين لكفرهم بالله والضعف الآخر لدعائهم إيانا إلى الكفر.