الآيات 26-29

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴿26﴾ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴿27﴾ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴿28﴾ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴿29﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر والأعمش والبرجمي لتدبروا بالتاء وتخفيف الدال والباقون بالياء وتشديد الدال.

الحجة:

لتدبروا أصله لتتدبروا فحذفت التاء الثانية التي هي فاء الفعل وقوله ﴿ليدبروا﴾ أصله ليتدبروا فأدغم التاء في الدال.

اللغة:

الخليفة هو المدبر للأمور من قبل غيره بدلا من تدبيره وفلان خليفة الله في أرضه معناه أنه جعل إليه تدبير عباده بأمره.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه إتمام نعمته على داود (عليه السلام) بقوله ﴿يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض﴾ أي صيرناك خليفة تدبر أمور العباد من قبلنا بأمرنا وقيل معناه جعلناك خلف من مضى من الأنبياء في الدعاء إلى توحيد الله تعالى وعدله وبيان شرائعه عن أبي مسلم ﴿فاحكم بين الناس بالحق﴾ أي أفصل أمورهم بالحق وضع كل شيء موضعه ﴿ولا تتبع الهوى﴾ أي ما يميل طبعك إليه ويدعو هواك إليه إذا كان مخالفا للحق ﴿فيضلك عن سبيل الله﴾ معناه إنك إذا اتبعت الهوى عدل الهوى بك عن سبيل الحق الذي هو سبيل الله ﴿إن الذين يضلون عن سبيل الله﴾ أي يعدلون عن العمل بما أمرهم الله ﴿لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب﴾ أي لهم عذاب شديد يوم الحساب بتركهم طاعات الله في الدنيا عن عكرمة والسدي ويكون على هذا يتعلق يوم الحساب بعذاب شديد وقيل معناه لهم عذاب شديد بإعراضهم عن ذكر يوم القيامة فيكون يوم متعلقا بنسوا ﴿وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا﴾ لا غرض فيه حكمي بل خلقناهما لغرض حكمي وهو ما في ذلك من إظهار الحكمة وتعريض أنواع الحيوان للمنافع الجليلة وتعريض العقلاء منهم للثواب العظيم وهذا ينافي قول أهل الجبر أن كل باطل وضلال فهو من فعل الله ﴿ذلك ظن الذين كفروا﴾ بالله وجحدوا حكمته ﴿فويل للذين كفروا من النار﴾ ظاهر المعنى ثم قال سبحانه على وجه التوبيخ للكفار على وجه الاستفهام ﴿أم نجعل الذين آمنوا﴾ معناه بل أنجعل الذين صدقوا الله ورسله ﴿وعملوا الصالحات﴾ والطاعات ﴿كالمفسدين في الأرض﴾ العاملين بالمعاصي ﴿أم نجعل المتقين كالفجار﴾ أي بل أنجعل المتقين الذين اتقوا المعاصي لله خوفا من عقابه كالفجار الذين عملوا بالمعاصي وتركوا الطاعات أي أن هذا لا يكون أبدا ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك﴾ أي هذا القرآن كتاب منزل إليك مبارك أي كثير نفعه وخيره فإن في التدين به يستبين الناس ما أنعم الله عليهم ﴿ليدبروا آياته﴾ أي ليتفكر الناس ويتعظوا بمواعظه ﴿وليتذكر أولو الألباب﴾ أي أولو العقول فهم المخاطبون به.