الآيات 11-15

جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ ﴿11﴾ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ ﴿12﴾ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ ﴿13﴾ إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ﴿14﴾ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ ﴿15﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير عاصم من فواق بضم الفاء والباقون بفتحها.

الحجة:

وهما لغتان مثل قصاص الشعر وقصاصه وجمام المكوك وجمامة وهو من الإفاقة وما بين الرضعتين فواق وقيل بينهما فرق فبالفتح يكون بمعنى الراحة وبالضم بمعنى المهلة والانتظار عن أبي عبيدة والفراء.

اللغة:

هنالك إشارة إلى المكان البعيد وهناك بين البعيد والقريب وهنا للقريب ومثله ذا وذاك وذلك.

والأحزاب جمع حزب وهو الجماعة التي تجتمع من كل أوب وقال الزجاج ما لها من فواق أي رجوع وفواق الناقة مشتق من الرجوع أيضا لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين وأفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة.

الإعراب:

ما مزيدة في قوله ﴿جند ما﴾ مثلها في قول الأعشى:

فاذهبا ما إليك أدركني الحلم

عداتي عن هيجكم أشغالي

و﴿جند﴾ مبتدأ و﴿هنالك﴾ صفة أي جند ثابت هنالك.

و﴿مهزوم﴾ خبر مبتدإ ويجوز أن يكون هنالك ظرفا لمهزوم أي جند مهزوم في ذلك الموضع.

﴿كذبت قبلهم قوم نوح﴾ يجوز أن يقف على قوله ﴿نوح﴾ ويكون ﴿عاد﴾ مبتدأ ما بعده معطوف عليه ويكون ﴿أولئك الأحزاب﴾ خبرا عن الجميع ويجوز أن يكون الخبر قوله ﴿إن كل إلا كذب الرسل﴾ ويجوز أن يكون ﴿أولئك الأحزاب﴾ ابتداء ويقف على ﴿قوم لوط﴾.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن الكفار أنهم سيهزمون ببدر فقال ﴿جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب﴾ قال قتادة أخبر الله سبحانه وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها يوم بدر وهنالك إشارة إلى بدر ومصارعهم بها أي هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند مهزومون مغلوبون من جملة الكفار الذين تحزبوا على الأنبياء وأنت منصور عليهم مظفر غالب وقيل هم أحزاب الذين حاربوا نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق ووجه اتصاله بما قبله أن المعنى كيف يرتقون إلى السماء وهم فرق من قبائل شتى مهزومون ﴿كذبت قبلهم﴾ أي قبل هؤلاء الكفار ﴿قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد﴾ وقيل في معناه أقوال (أحدها) أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها عن ابن عباس وقتادة وعطا (والثاني) أنه كان يعذب الناس بالأوتاد وذلك أنه إذا غضب على أحد وتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض عن السدي والربيع بن أنس ومقاتل والكلبي (والثالث) أن معناه ذو البنيان والبنيان أوتاد عن الضحاك (والرابع) أن المعنى ذو الجنود والجموع الكثيرة بمعنى أنهم يشدون ملكه ويقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء عن الجبائي والقتيبي والعرب تقول هو في عز ثابت الأوتاد والأصل فيه أن بيوتهم إنما ثبتت بالأوتاد قال الأسود بن يعفر:

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة

في ظل ملك ثابت الأوتاد

(والخامس) أنه سمي ذو الأوتاد لكثرة جيوشه السائرة في الأرض وكثرة أوتاد خيامهم فعبر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد ﴿وثمود﴾ يعني قوم صالح ﴿وقوم لوط وأصحاب الأيكة﴾ وهم قوم شعيب ﴿أولئك الأحزاب﴾ لما ذكر سبحانه هؤلاء المكذبين أعلمنا أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب ومعناه هم الأحزاب حقا أي أحزاب الشيطان كما يقال هم هم قال:

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كل القوم يا أم خالد

﴿وإن كل إلا كذب الرسل﴾ أي ما كل حزب منهم إلا كذب الرسل ﴿فحق عقاب﴾ أي فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم رسلي ﴿وما ينظر﴾ أي وما ينتظر ﴿هؤلاء﴾ يعني كفار مكة ﴿إلا صيحة واحدة﴾ وهي النفخة الأولى في الصور ﴿ما لها من فواق﴾ أي لا يكون لتلك الصيحة إفاقة بالرجوع إلى الدنيا عن قتادة والسدي والمراد أن عقوبة أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعذاب الاستئصال مؤخرة إلى يوم القيامة وعقوبة سائر الأمم معجلة في الدنيا كما قال بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر قال الفراء إذا ارتضعت البهيمة أمها ثم تركتها حتى تنزل فتلك الإفاقة والفواق ثم قيل لكل راحة وإنظار للاستراحة فواق وقيل معناه ما لها مثنوية أي صرف ورد عن الضحاك وقيل ما لها من فتور كما يفتر المريض عن ابن زيد.