الآيـة 100

وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿100﴾

القراءة:

قرأ يعقوب والأنصار بالرفع وهي قراءة عمر بن الخطاب والحسن وقتادة والقراءة المشهورة ﴿والأنصار﴾ بالجر وقرأ ابن كثير وحده من تحتها بزيادة من وكذلك هو في مصاحف مكة وقرأ الباقون ﴿تحتها﴾ بغير من وعليه سائر المصاحف والمعنى واحد.

الحجة:

من قرأ بالرفع عطفه على قوله ﴿السابقون﴾ ومن قرأ بالجر عطفه على ﴿المهاجرين﴾ وأما قوله ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ فيجوز أن يكون معطوفا على الأنصار في رفعه وجره ويجوز أن يكون معطوفا على السابقون وأن يكون معطوفا على الأنصار أولى لقربه منه.

الإعراب:

السابقون مبتدأ والأولون صفته من المهاجرين تبيين لهم ﴿والذين اتبعوهم﴾ إن حملته على السابقون كان مرفوعا وإن حملته على الأنصار كان مجرورا وخبر الأسماء كلها ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ و﴿أعد لهم﴾ عطف على رضي فالوقف على قوله ﴿خالدين فيها أبدا﴾.

النزول:

قيل نزلت هذه الآية فيمن صلى إلى القبلتين عن سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وقتادة وقيل نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان وهي بيعة الحديبية عن الشعبي قال ومن أسلم بعد ذلك وهاجر فليس من المهاجرين الأولين وقيل هم أهل بدر عن عطاء بن رياح وقيل هم الذين أسلموا قبل الهجرة عن الجبائي.

المعنى:

لما تقدم ذكر المنافقين والكفار عقبه سبحانه بذكر السابقين إلى الإيمان فقال ﴿والسابقون الأولون﴾ أي السابقون إلى الإيمان وإلى الطاعات وإنما مدحهم بالسبق لأن السابق إلى الشيء يتبعه غيره فيكون متبوعا وغيره تابع له فهو إمام فيه وداع له إلى الخير بسبقه إليه وكذلك من سبق إلى الشر يكون أسوأ حالا لهذه العلة ﴿من المهاجرين﴾ الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وإلى الحبشة ﴿والأنصار﴾ أي ومن الأنصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى الإسلام ومن قرأ والأنصار بالرفع لم يجعلهم من السابقين وجعل السبق للمهاجرين خاصة ﴿والذين اتبعوهم بأحسن﴾ أي بأفعال الخير والدخول في الإسلام بعدهم وسلوك منهاجهم ويدخل في ذلك من يجيء بعدهم إلى يوم القيامة ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ أخبر سبحانه أنه رضي عنهم أفعالهم ورضوا عن الله سبحانه لما أجزل لهم من الثواب على طاعاتهم وإيمانهم به ويقينهم ﴿وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا﴾ أي يبقون ببقاء الله منعمين ﴿ذلك الفوز العظيم﴾ أي الفلاح العظيم الذي يصغر في جنبه كل نعيم وفي هذه الآية دلالة على فضل السابقين ومزيتهم على غيرهم لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين فمنها مفارقة العشائر والأقربين ومنها مباينة المألوف من الدين ومنها نصرة الإسلام وقلة العدد وكثرة العدو ومنها السبق إلى الإيمان والدعاء إليه واختلف في أول من أسلم من المهاجرين فقيل إن أول من آمن خديجة بنت خويلد ثم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس وزيد بن أرقم ومجاهد وقتادة وابن إسحاق وغيرهم قال أنس بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم الإثنين وصلى علي (عليه السلام) وأسلم يوم الثلاثاء وقال مجاهد وابن إسحاق إنه أسلم وهو ابن عشر سنين وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخذه من أبي طالب وضمه إلى نفسه يربيه في حجره وكان معه حتى بعث نبيا وقال الكلبي أنه أسلم وله تسع سنين وقيل اثنتا عشرة سنة عن أبي الأسود قال السيد أبو طالب الهروي وهو الصحيح وفي تفسير الثعلبي روى إسماعيل بن أياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف قال كنت امرءا تاجرا فقدمت مكة أيام الحج فنزلت على العباس بن عبد المطلب وكان العباس لي صديقا وكان يختلف إلى اليمن يشتري العطر فيبيعه أيام الموسم فبينما أنا والعباس بمنى إذ جاء رجل شاب حين حلقت الشمس في السماء فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه فلم يلبث أن جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة فخر الشاب ساجدا فسجدا معه فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فقلت يا عباس أمر عظيم فقال أمر عظيم فقلت ويحك ما هذا فقال هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يزعم أن الله بعثه رسولا وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه وهذا الغلام علي بن أبي طالب وهذه المرأة خديجة بنت خويلد وزوجة محمد تابعاه على دينه وأيم الله ما على ظهر الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء فقال عفيف الكندي بعد ما أسلم ورسخ الإسلام في قلبه يا ليتني كنت رابعا وروي أن أبا طالب قال لعلي (عليه السلام) أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه قال يا أبة آمنت بالله ورسوله وصدقته فيما جاء به وصليت معه لله فقال له إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يدعو إلا إلى خير فالزمه وروى عبد الله بن موسى عن العلاء بن صالح عن المنهال بن عمرو عن عبادة بن عبد الله قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر صليت قبل الناس بسبع سنين وفي مسند السيد أبي طالب الهروي مرفوعا إلى أبي أيوب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يصل فيها أحد غيري وغيره وقيل إن أول من أسلم بعد خديجة أبو بكر عن إبراهيم النخعي وقيل أول من أسلم بعدها زيد بن حارثة عن الزهري وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن عوف في قوله سبحانه ﴿والسابقون الأولون﴾ قال هم عشرة من قريش أولهم إسلاما علي بن أبي طالب (عليه السلام).