الآيات 94-96

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿94﴾ سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴿95﴾ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿96﴾

النزول:

قيل نزلت الآيات في جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما من المنافقين وكانوا ثمانين رجلا ولما قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة راجعا من تبوك قال لا تجالسوهم ولا تكلموهم عن ابن عباس وقيل نزلت في عبد الله بن أبي حلف للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يتخلف عنه بعدها وطلب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يرضى عنه عن مقاتل.

المعنى:

ثم أخبر الله سبحانه عن هؤلاء القوم الذين تأخروا عن الخروج مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ﴿يعتذرون إليكم﴾ من تأخرهم عنكم بالأباطيل والكذب ﴿إذا رجعتم إليهم﴾ أي إذا انصرفتم إلى المدينة من غزوة تبوك ﴿قل﴾ يا محمد ﴿لا تعتذروا لن نؤمن لكم﴾ أي لسنا نصدقكم على ما تقولون ﴿قد نبأنا الله من أخباركم﴾ أي قد أخبرنا الله وأعلمنا من أخباركم وحقيقة أمركم ما علمنا به كذبكم وقيل إنه أراد به قوله سبحانه ﴿لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا﴾ الآية ﴿وسيرى الله عملكم ورسوله﴾ أي سيعلم الله فيما بعد ورسوله عملكم هل تتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه وقيل معناه سيعلم الله أعمالكم وعزائمكم في المستقبل ويظهر ذلك لرسوله فيعلمه الرسول بإعلامه إياه فيصير كالشيء المرئي لأن أظهر ما يكون الشيء أن يكون مرئيا كما علم ذلك في الماضي فأعلم به الرسول ﴿ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة﴾ أي ترجعون بعد الموت إلى الله سبحانه الذي يعلم ما غاب وما حضر وما يخفى عليه السر والعلانية ﴿فينبؤكم بما كنتم تعملون﴾ أي يخبركم بأعمالكم كلها حسنها وقبيحها فيجازيكم عليها أجمع ﴿سيحلفون بالله لكم﴾ أي سيقسم هؤلاء المنافقون والمتخلفون فيما يعتذرون به إليكم أيها المؤمنون ﴿إذا انقلبتم إليهم﴾ إنهم إنما تخلفوا لعذر ﴿لتعرضوا عنهم﴾ أي لتصفحوا عن جرمهم ولا توبخوهم ولا تعنفوهم ثم أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين فقال ﴿فأعرضوا عنهم﴾ أي إعراض رد وإنكار وتكذيب ومقت ثم بين عن سبب الإعراض فقال ﴿إنهم رجس﴾ أي نجس ومعناه أنهم كالشيء المنتن الذي يجب الاجتناب عنه فاجتنبوهم كما تجتنب الأنجاس ﴿ومأواهم جهنم﴾ أي مصيرهم ومآلهم ومستقرهم جهنم ﴿جزاء بما كانوا يكسبون﴾ أي مكافاة على ما كانوا يكسبونه من المعاصي ﴿يحلفون لكم لترضوا عنهم﴾ أي طلبا لمرضاتكم عنهم أيها المؤمنون ﴿فإن ترضوا عنهم﴾ لجهلكم بحالهم ﴿فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين﴾ الخارجين من طاعته إلى معصيته لعلمه بحالهم ومعناه أنه لا ينفعهم رضاكم عنهم مع سخط الله عليهم وارتفاع رضاه عنهم وإنما قال سبحانه ذلك لئلا يتوهم أنه إذا رضي المؤمنون فقد رضي الله والمراد بذلك أنه إذا كان الله لا يرضى عنهم فينبغي لكم أيضا أن لا ترضوا عنهم وفي هذا دلالة على أن من طلب بفعله رضا الناس ولم يطلب رضا الله سبحانه فإن الله يسخط الناس عليه كما جاء في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.